ولتكون ماء قليل الملوحة علي حواف طبقة الماء العذب الرقيقة الطافية فوق الماء المالح ..
ويؤدي بناء هذا البرزخ الرسوبي إلي تفرع مجري النهر إلي فرعين (أو أكثر) كل واحد منهما علي جانبي البرزخ نظرا لتباطؤ تدفق الماء نتيجة لضحالة المجري وشدة احتكاك الماء بقاعه في أثناء جريانه ; وقد يؤدي ذلك إلي زيادة نمو البرزخ علي هيئة حاجزوسطي كبير أو تكرار ترسب أعداد من تلك البرازخ ..
ولما كانت كثافة الماء العذب (في حدود جرام واحد / سم 3) أقل من كثافة الماء المالح (في حدود 1.026 إلي 1.028 جرام / سم 3) فإن الماء العذب يطفو فوق سطح الماء المالح علي الرغم مما يحمله من رسوبيات , ويسمي هذا التدفق المائي باسم التدفق المتباين الكثافة ..
ويظل الماء العذب طافيا فوق الماء المالح حتي تتمكن كل من تيارات المد والجزر , والأمواج والتيارات البحرية من المزج بين حواف هذه الطبقة الرقيقة من الماء العذب والماء المالح مكونة ماء قليل الملوحة يفصل بينهما , وهنا يتأثر تدفق الماء العذب بكل من قوة الاستمرار في الاندفاع (القصور الذاتي) , وشدة الاحتكاك بقاع المجري , وفرق الكثافة بين الماءين العذب والمالح ..
وفي حالة الأنهار ذات التدفق العالي للماء , أو عند فيضاناتها يكون التدفق الطافي للماء العذب فوق سطح الماء المالح هو السمة الغالبة لتدفق ماء تلك الأنهار ; ويزداد الاحتكاك برسوبيات القاع مما يؤدي إلي تجمع كم هائل من الرسوبيات أمام مصب النهر علي هيئة سدود نهرية مستقيمة وموازية لمجري النهر تحت الماء في منطقة المصب , تحيط بالماء العذب من الجهتين فاصلة إياه عن الماء المالح فتعينه بذلك علي مزيد من الاندفاع في داخل البحر ..
كذلك تبني الرسوبيات سدا هائلا في مواجهة مجري النهر يعرف باسم حاجز توزيع الماء في مصب النهر
( Distributary-MouthBar)
يتراوح عرضه بين أربعة وستة أضعاف عرض مجري النهر ; وهذا الحاجز يفصل الماء قليل الملوحة (المتكون نتيجة لمزج جزء من ماء النهر العذب مع ماء البحر الملح) عن الماء العذب. ويتكرر تكون أمثال هذا الحاجز عدة مرات علي مسافات متباعدة من مصب النهر حتي تتكون منطقة تعرف باسم منطقة توزيع ماء النهر تعمل علي مزيد من الفصل بين الأنواع الثلاثة من الماء الموجود في مصبات الأنهار وهي: الماء العذب , والماء قليل الملوحة , والماء الملح ..
وعلي ذلك فإن جميع النظم النهرية التي تصب في بحار تتميز بتداخلات معقدة بين كل من العمليات النهرية والبحرية , منها عمليات المد والجزر , التي تعمل علي اختلاط الماءين مكونة ماء متوسط الملوحة يفصل بين هذين الماءين خاصة في حالة التدفقات النهرية الضعيفة , وتزداد عمليات الخلط بين ماء النهر وماء البحر كلما توغلنا في داخل البحر حتي يتحول الماء إلي الطبيعة البحرية الكاملة تاركا وراءه مراحل من الماء القليل الملوحة تعمل كفاصل بين الماءين.
كذلك تساعد عمليات المد والجزر علي تجميع الرسوبيات التي يلقي بها النهر علي هيئة حواجز رسوبية علي مسافات من مصب النهر , ومتصلة بفم النهر بواسطة حواجز طولية موازية لاتجاه تدفق النهر تحول دون امتزاج مائه بماء البحر ..
وفي الحالات التي يسود فيها دور عمليات المد والجزر سيادة واضحة يلاحظ أن مجري النهر يتسع عند مصبه اتساعا كبيرا علي هيئة الدلتا التي تعترضها تلال من رسوبيات النهر تعمل كذلك علي عزل مائه عن ماء البحر ..
وهذه الحواجز الرسوبية الطولية والهلالية الشكل المعترضة لمجري النهر , وكذلك الشرف النهرية الموازية لمجراه والمندفعة من فم النهر إلي داخل البحر تساعد كلها علي عزل ماء النهر العذب عن ماء البحر المحيط لأطول فترة ممكنة , ثم يتكون بينهما نطاق من الماء قليل الملوحة يزيد من عملية الفصل تلك. وكل من الماء العذب والماء المالح له من صفاته الطبيعية والكيميائية ما يمكنه من البقاء منفصلا انفصالا كاملا عن الآخر علي الرغم من التقاء حدودهما عند مصب النهر , وذلك بتكوين برزخ من الرسوبيات أمام فوهة النهر ومن حوله , ويؤدي ذلك إلي تفرع الماء العذب إلي فرعين أو فروع من حوله , يتدفق منهما أو منها الماء العذب مكونا طبقة رقيقة طافية فوق الماء الملح , وتختلط به عند حوافها مكونة حزاما من الماء قليل الملوحة وذلك بفعل تيارات المد والجزر , والتيارات والأمواج البحرية المختلفة , ويعمل هذا الحزام من الماء القليل الملوحة علي مزيد من الفصل بين المائين العذب والملح , ولكل بيئة من هذه البيئات الثلاث (الماء العذب , والماء قليل الملوحة والماء الملح) أنواع خاصة من أنواع الأحياء المائية المحدودة بحدود بيئتها , وأنواع خاصة من الرسوبيات التي تترسب منها , وبذلك تكون أنواع الحياة في الماء القليل الملوحة مقصورة علي تلك البيئة , ومحجورة فيها , أي لا تستطيع الخروج منها وإلا هلكت , كما أن كل مجموعة من أنواع الحياة في البيئتين الأخريين لاتستطيع دخول الماء القليل الملوحة وإلا هلكت , فيما عدا أعداد قليلة جدا منها تستطيع العبور فيها دون بقاء طويل , ومن هنا كان هذا الماء القليل الملوحة حجرا علي الحياة الخاصة به , ومحجورا علي الحياة في البيئتين الأخريين من حوله.
وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين , وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة , مما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق , ويجزم بنبوة هذا النبي الخاتم (صلي الله عليه وسلم) .. فسبحان الذي أنزل قوله الحق:
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا [الفرقان:53] ..
وقال: وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها .....
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
د. زغلول النجار
¥