وغالبا ما تبدأ هذه الصفقة بدفع المشتري لمبلغ أولي، ثم يستمر في الدفع للأقساط، دون أن ينتقل ملك المبيع إليه، بل يستغل هذا المبيع انتفاعًا دون أن يملك التصرف في الرقبة، فإذا انتهى من تسديد هذه الأقساط صار مالكاً لهذا المبيع، والحقيقة أن هذا العقد غالباً ما يكون عقدأ مزدوجا يجمع بين الإجارة والشراء "" Hire Puchase.
وكثيراً ما ينص على نهاية وقت الإجارة، وعندئذ يخير المشتري (المستأجر) بين إعادة المبيع أو قل (المؤجر)، أو شرائه بثمن هو مجموع المبالغ التالية: الدفعة الأولى المبدئية مضافا إليها ما دفعه المشتري من أقساط نظير الانتفاع، مضافا إليها المبلغ المتبقي، وهذا كله في حالة ما يكون وقت الإجارة لا يفي بدفع كل ما يلزم لشراء هذا المبيع. وفي حالة عدم الشراء يمكن أن يجدد عقد الإجارة مرة أخرى بموافقة الطرفين، وفائدته للبائع: منع المشتري من تفويت الذات موضع العقد، والاحتفاظ بحق استرجاع المبيع. ويجب أن نلاحظ أن هذا النوع من البيع في بعض صوره يشبه إلى حد ما الإجارة المنتهية بالتمليك؛ ولكن النظر بدقة يبين أن بينهما فرقاً سنعرض له في آخر المبحث.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الحكم الشرعي لهذا العقد؟
والجواب يتطلب منا أن نبحث عن حكم اجتماع الإجارة والبيع في عقد واحد على سلعة واحدة، مع العلم بأن هذا المبيع المصاحب للإجارة هو بيع خيار.
يرى جمهور العلماء أن الإجارة والبيع يجتمعان في عقد واحد؛ لأن الإجارة نوع من البيوع، فهي بيع المنفعة، ولذا فإنها لا تضاده.
لكن الإشكال في مثل هذه المعاملة أنها مترددة بين الإجارة والبيع، فلا يعرف العاقدان ما إذا كانت الصفقة ستنتهي بالبيع فينتقل المبيع إلى المشتري، ومن أي تاريخ؟ ويفترض أن يكون رجعياً، أم سيرجع المبيع إلى صاحبه الأصلي أعني البائع إذا كشف الغيب أنها إجارة؛ لأن المشتري لم يستطع تسديد الأقساط.
أقول: هذا العقد يشبه إلى حد بعيد ما جاء في المدونة حيث قال: " ومن اشترى سلعة على أنه إن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام - وفي موضع آخر- إلى عشرة أيام فلا بيع بينهما، فلا يعجبني أن يعقدا على هذا، فإن نزل ذلك جاز البيع وبطل الشرط ".
ولكن القانون لا يبطل الشرط حتى يصح العقد.
والخيار المشروع أن تعقد هذه الصفقة على أنها إجارة حقيقية ومعها بيع خيار طويل الأجل، خصوصاً وأن بعض الفقهاء أجازوا اشتراط مدة معلومة في حال العقد تقصر، أو تطول. قال ابن رشد: " فأمد الخيار في البيع إنما هو بقدر ما يحتاج إليه في الاختبار والارتياء مع مراعاة إسراع التغير إلى المبيع وإبطائه عنه ".
وقال الطوسي في كتاب الخلاف: " والثالث أن يشترطا في حال العقد مدة معلومة يكون لهما فيها الخيار ما شاءا من الزمان: ثلاثا أو شهراً، أو أكثر فإنه ينعقد العقد ".
وإذا قيل متى ينعقد العقد فالجواب عند الطوسي: فإن تم البيع تبينا أن ملكه انتقل بنفس العقد، وإن فسخ تبينا أن ملكه ما زال. ومذهب ابن أبي ليلى جواز شرط الخيار في البيع إلى أجل قريب أو بعيد.
ثانيا- نقل الملكية في البيع المؤجل مع بقاء المبيع تحت يد البائع مرهونا حتى يسدد الثمن كاملا: وهذا العقد يمكن أن يكيف تحت ما يسميه فقهاؤنا بالسلعة المحبوسة بالثمن، وحاصلها أن الأصل في صفقة البيع أن المشتري يسلم الثمن، ويسلم البائع السلعة في نفس الوقت، لكن من الذي يلزمه التسليم أولا عند التنازع؟ المسألة خلافية.
والذي عليه أكثر العلماء أن المشتري يجب عليه أن يسلم الثمن أولا، ثم يجبر البائع على تسليم سلعته، فإن لم يدفع المشتري الثمن فللبائع حبس المبيع حتى يدفع إليه الثمن، فإذا مات المشتري أو فلس، ولم يوجد عنده ما يوفي به هذا الثمن، فإن صاحب السلعة أحق بها.
إذن هذا العقد يمكن أن يدخل هذه المسألة، فيكون جائزًا في حالة تراضي الطرفين.
والوجه الثاني أن يكون ذلك من قبيل رهن المبيع للبائع قبل أن يقبضه المشتري، ولأصحاب الشافعي في رهن المبيع قبل قبضه قولان في حالة دفع الثمن، فأما إذا لم يدفع الثمن فإنه لا يصح عندهم؛ لأنه مرهون بالثمن. أقول يفهم من ذلك بأن رهنه من بائعه تحصيل حاصل؛ لأنه مرهون بثمنه.
وقد نص المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي على ذلك في دورته السادسة القرار (53) فقرة (6) حيث جاء فيها:
¥