تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هداه، والتزم بشريعته، كان له تمام الأمن والهداية في الدنيا وفي الآخرة، وألا يضل فيهما ولا يشقى، ولا يخاف ولا يحزن، فكان الالتزام بدين الله، والأخذ به عقيدة وشريعة ومنهاج حياة هو الضمانة الحقيقية لإسعاد الإنسان، وحفظ حقوقه، وضمان أمنه واستقراره، ليس في الدنيا فحسب، بل في الدنيا والآخرة.

خصائص حقوق الإنسان في الإسلام:

تتميز حقوق الإنسان في الإسلام بخصائص ومميزات لا توجد في الاتفاقيات والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتي:

أولاً: أن الشريعة الإسلامية لم تحافظ على حقوق الإنسان فحسب، بل تجاوزتها إلى ما هو أهم وأسمى، وأعظم إكراماً للإنسان وأكثر إعزازًا له، ألا وهو تقرير كرامة الإنسان، وتفضيله على سائر الحيوان، وإسباغ النعم عليه، وتسخير ما في السموات والأرض له.

لقد قررت الشريعة مبدأ الكرامة الإنسانية، لكل الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، وألوانهم ولغاتهم، وأديانهم وبلدانهم، إننا عندما نتكلم عن تكريم الإسلام للإنسان نكون قد تجاوزنا مسألة حفظ حقوق الإنسان، وتحريم ظلمه وانتهاك حقوقه، فهذا من مسلّمات الشريعة وأبجدياتها، وهذا الحق مضمون حتى للبهائم والحيوانات، وليس أدل على ذلك من أن تدخل النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وفي المقابل يغفر الله لزانية ويدخلها الجنة بكلب سقته كان يلعق الثرى من العطش، فإذا كان هذا المستوى قد ضمن للحيوان، فإن ما ضمنته الشريعة الإسلامية للإنسان أشرف من هذا وأعظم، إنه مفهوم التكريم للإنسان الذي قرره ربنا في هذه الآية الجامعة المحكمة:} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا {[الإسراء:70].

فجعل التأكيد المتمثل في استخدام لام القسم، و"قد" التي تفيد التحقيق دليلاً على أن هذا التكريم عام شامل لجميع أفراد بني آدم، وأنه تكريم استحقوه بمحض البشرية، وليس خاصاً بقوم دون آخرين، أو جنس دون غيرهم، قال الألوسي في تفسير الآية:} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم {أي: جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم ذوي كرم، أي شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كرمهم سبحانه بالعقل، وفي رواية بتناولهم الطعام بأيديهم لا بأفواههم كسائر الحيوانات، وعن الضحاك بالنطق، وعن عطاء بتعديل القامة وامتدادها، وعن زيد بن أسلم بالمطاعم واللذات، وعن يمان بحسن الصورة، وعن ابن جرير بالتسلط على غيرهم من الخلق وتسخيره لهم، وعن محمد بن كعب بجعل محمد صلى الله عليه وسلم منهم. وقيل: بخلق الله تعالى أباهم آدم بيديه، وقيل: بتدبر المعاش والمعاد، وقيل: بالخط ... وقيل وقيل، والكل في الحقيقة على سبيل التمثيل؛ ومن ادعى الحصر في واحد كابن عطية حيث قال: إنما التكريم بالعقل لا غير، فقد ادعى غلطاً، ورام شططاً، وخالف صريح العقل وصحيح النقل، ولذا استدل الإمام الشافعي بالآية على عدم نجاسة الآدمي بالموت" (1)

وقال السعدي في تفسيره: "كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة" (2)

وقال ابن عاشور رحمه الله في تفسير الآية: "فأما منة التكريم فهي مزية خص بها الله بني آدم من بين سائر المخلوقات الأرضية، والتكريم: جعله كريما، أي: نفيساً غير مبذول ولا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه، وفي بشرته، فإن جميع الحيوان لا يعرف النظافة ولا اللباس ولا ترفيه المضجع والمأكل ولا حسن كيفية تناول الطعام والشراب ولا الاستعداد لما ينفعه ودفع ما يضره، ولا شعوره بما في ذاته وعقله من المحاسن فيستزيد منها، والقبائح فيسترها ويدفعها، بله الخلو عن المعارف والصنائع وعن قبول التطور في أساليب حياته وحضارته".

ومن أهم مظاهر التكريم الإلهي للإنسان ما يأتي:

1 - خلقه في أحسن تقويم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير