والثمرات، وأجناس المعادن، وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته" (11).
10ـ إكرامهم بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب السماوية عليهم، لتهديهم للتي هي أقوم:
قال الله تعالى:} رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل {[النساء:165]، وقال:} لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط {[الحديد:25].
إن مسألة التكريم هي المحور التي دارت عليه الشريعة الإسلامية في جميع أحكامها وتشريعاتها، والأساس التي بنيت عليه أصولها وفروعها، ومن تأمل في أوامرها ونواهيها وجد أنها إنما جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وأدرك أن الله تعالى من كمال لطفه بعباده، وعظيم فضله عليهم جعل أنفع الأعمال لعباده وأكثرها مصلحة لهم هي أعظم الطاعات له، وأزكاها عنده، وأحظاها لديه، ولا أدل على ذلك من كثرة ما جاء من النصوص والأحكام الشرعية في فضل حسن الخلق والإحسان إلى الخلق، وفضل بر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأصحاب والجيران، وفضل العدل والإنصاف، والعفو والإحسان، وأن ذلك كله من أفضل الأعمال وأثقلها في الميزان، وكذلك ما ورد في فضل الذكر والدعاء وقراءة القرآن لما لها من أثر عظيم في تقوية الإيمان وطمأنينة القلب وانشراح الصدر وحفظ الإنسان. وهذا أمر يطول شرحه، وأدلته وأحكامه أكثر من أن تحصر.
ثانياً: من كمال لطف الله تعالى بعباده وعظيم فضله عليهم: أنه جعل الحقوق الإنسانية ضرورات بشرية، وواجبات شرعية لا يسع مسلماً تركها أو التنازل عنها، أو نسخها وتبديلها، أو إلغاؤها وتعطيلها، سواء كانت تتعلق بنفسه أو بغيره.
فهي ليست مجرد حقوق يؤديها الإنسان إن شاء، ويتقاعس عنها إن أراد، أو يؤديها لمن يطالب بها من أصحابها، ويماطل بها من لا يخافه من أهلها، أو يؤديها متكرهاً متبرماً ما دام يخشى من سلطة القانون، فإذا غاب عن أعين الرقباء من البشر وأمكنه التنصل من طائلة القانون رماها وراء ظهره، ونكص عن أدائها، بل هي واجبات شرعية فرضها الله على عباده، وأوجب بذلها لأصحابها من القريبين والبعيدين، والمسلمين وغير المسلمين، وإن عجزوا عن المطالبة بها، أو جهلوا استحقاقهم لها، فهي ليست حقوقاً فقط، بل واجبات دينية يتقرب بها المسلم إلى الله ويرجو ثوابها، ويخشى من عقوبة الله إن قصر في القيام بها، فهو يراقب الله تعالى في أدائها على الوجه الذي أمره بها، في خلوته وجلوته، وسره وعلانيته، حتى وإن غاب عن أعين الناس، وأمن من الوقوع تحت طائلة القانون.
ولو أخذنا "الحق في التعليم" على سبيل المثال لوجدنا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في مادته السادسة والعشرين على الآتي: "لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل مجاناً، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً"، وأما الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان، المستمد من الشريعة الإسلامية، والصادر عن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي فإنه ينص في مادته التاسعة على الآتي: "طلب العلم فريضة، والتعليم واجب على المجتمع، والدولة عليها تأمين سبله ووسائله، وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع، ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام وحقائق الكون وتسخيرها لخير البشرية".
وبإمعان النظر بين الإعلانين الإسلامي والعالمي يتبين أن الإعلان الإسلامي يتميز بالآتي:
1ـ أنه أكد على أن طلب العلم النافع وتعليمه عبادة جليلة يحبها الله ويعظم أجر صاحبها ويرفع قدره في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:} يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات {[المجادلة:11]، بل إن الله تعالى أمر بالتعلم والتعليم في أول آيات نزلت في القرآن الكريم، وهي قوله تعالى:} إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلم {[العلق:1 - 5]، فأمر بالقراءة والكتابة الذين هما أساس التعلم والتعليم، وامتن على عباده بأن علمهم ما لم يكونوا يعلمون! وأمثال هذا كثير جداً في الكتاب والسنة.
2ـ أنه أكد على أن طلب العلم وتعليمه فريضة دينية وواجب شرعي، وليس مجرد حق يجب أن يبذل لصاحبه، وله أن يفعله أو يتركه، أو يطالب به أو يتنازل عنه، بل هو واجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، وليس واجباً دنيوياً نظامياً فقط يحاسب الأفراد والسلطات على تركه أو التقصير فيه، بل هو واجب شرعي يستحق تاركه العقوبة في الدنيا والآخرة، حتى قال نبينا صلى الله عليه وسلم"طلب العلم فريضة على كل مسلم" (12) فجعل طلب العلم الذي يتوقف عليه أداء الواجبات وترك المحرمات فريضة شرعية على كل المكلفين من الرجال والنساء. وهذا يقتضي وجوب تعليمهم وتأهيلهم منذ نعومه أظفارهم للقيام بما أوجبه الله عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ولهذا قال ربنا سبحانه مبيناً أهمية التعلم والتعليم، ووجوب التفقه في الدين وتبصير الناس به:} وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون {[التوبة:122]، فبين أنه ليس للمؤمنين أن ينفروا كلهم للجهاد في الثغور ويتركوا التعلم والتعليم، بل يجب أن ينفر جماعة منهم ليتعلموا ويعلموا، ويتفقهوا ويفقهوا قومهم، وبين أن اشتغالهم بذلك نوع من الجهاد في سبيل الله، وأن واجب التعلم والتعليم لا يقل أهمية ووجوباً عن الجهاد في سبيل الله. والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة.
وإذا كان هذا هو بعض ما ورد في حق تعلم العلم وتعليمه، فإن ما ورد في وجوب حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال وتحقيق العدل والحرية وتحريم الظلم والعدوان أقوى وأظهر، والنصوص فيها أكثر من أن تحصر.
...... يتبع
¥