تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكل ما ورد من النصوص في تحريم القتل بغير حق فإنه يشمل جميع المعصومين من المسلمين وغيرهم من المعاهدين والمستأمنين، كقوله تعالى:} ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق {[الأنعام: 151]، وأمثالها كثير في الكتاب والسنة.

بل لقد دلت السنة النبوية على أن التعدي على الحيوان بإزهاق روحه ظلماً وعدواناً، جريمة يستحق فاعلها دخول النار.

ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض"، وفي رواية لهما: "عذّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار. لاهي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".

فإذا كانت هذه عقوبة قتل الحيوان بغير حق، فكيف بقتل الآدمي المعصوم؟!!

ومن تأمل النصوص الواردة في تحريم القتل بغير الحق وتغليظ عقوبته وجد أن معظمها جاءت عامة مطلقة، تشمل جميع المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وما نُصَّ فيها على المؤمن، فإنما هو لعظم حقه وحرمته، ولا تدل بحال على إباحة قتل الكافر المعصوم بغير حق.

ويؤكد ذلك أحاديث كثيرة تدل على تحريم قتل الكفار غير المحاربين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين، ومنها ما يأتي:

1ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً" (35)

2ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من قتل نفساً معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً" (36)

3ـ عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً في غير كنهه (37) حرم الله عليه الجنة" (38) وفي رواية للنسائي: "من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها".

قال العلامة الشوكاني: "المعاهد: هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه، ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى:} وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه {[التوبة: 6].

وقوله: "لم يرح رائحة الجنة": بفتح الأول من يرح، وأصله راح الشيء أي: وجد ريحه، ولم يرحه أي: لم يجد ريحه، ورائحة الجنة: نسيمها الطيب. وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهداً الجنة، لأنه إذا لم يشم نسيمها وهو يوجد من مسيرة أربعين عاماً لم يدخلها.

وقوله: "فقد أخفر ذمة الله" بالخاء والفاء والراء أي: نقض عهده وغدر. والحديثان اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد، لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه منها، وتحريم الجنة عليه، مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها؟ " (39)

وقد أجمع العلماء قاطبة على تحريم الغدر، ووردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تنهى عن الغدر، وتتوعد فاعله بالخزي والعذاب الأليم. (40)

وإذا كان هذا الوعيد الشديد في قتل آحاد المعاهدين والذميين والمستأمنين، فكيف بنسف بيوتهم وعماراتهم، وهدمها على رؤوسهم، وقتل من فيها من النساء والصبيان؟ مع أن قتل هؤلاء من الكفار المحاربين حرام لا يجوز بإجماع العلماء إلا لضرورة (41)، فكيف بنساء المعصومين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين وأطفالهم؟ وهل هذا إلا محادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وغدر في العهود، ونقض للعقود، وارتكاب لجريمة من أكبر الجرائم، ومظلمة من أعظم المظالم؟! مع ما فيها من تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والصد عن سبيل الله القويم، وتنفير الناس من الدخول في دينه الذي أنزله رحمة للعالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير