إنَّ التقلبات الطائشة في معدل الفائدة تحدث تحولات لولبية في الموارد المالية بين المستفيدين منها وأن زيادة تقلب معدل الفائدة تحقن السوق المالي بكثير من الشكوك وهذا من شأنه تحويل الممولين ومتلقي التمويل على السواء من الأجل الطويل إلى الأجل القصير في سوق المال.
وإنَّ استمرار التقلب في نصيب الفائدة من مجموع عائد رأس المال على المستثمر يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأجل بثقة، وبصعوبة القيام باستثمارات طويلة الأجل فإن الاقتصاد في النهاية يعاني من هبوط الإنتاجية وانخفاض معدل النمو ومن المعترف به أن الأداء الاستثماري الجيد هو مفتاح النمو الاقتصادي الأسرع.
ومن ناحية أخرى فإن ماتقدمت الإشارة إليه من الآثار السلبية للربا على تخصيص الموارد بحكم أن الربا يتحيز لجدارة الائتمان على حساب الجدوى الإنتاجية للمشاريع يشكل عائقاً جدياً للنمو الاقتصادي.
والمفترض أن المصرف الإسلامي الحقيقي إذا وجد بابتعاده عن الربا شكلاً وجوهراً وباستخدام الموارد في معاملات شرعية مقصورة لذاتها سيحول اتجاه التمويل إلى تفضيل الجدوى الانتاجية، وبذلك يوفر العامل الأهم للنمو الاقتصادي.
وعندما يتحقق للعالم الإسلامي ككل بلدان العالم الثالث، النمو الاقتصادي فإنه لن يستفيد وحده من هذا النمو، بل إن العالم المتقدم والبلدان الصناعية سيستفيد من نمو العالم الثالث بصفة موازية إذ سوف يتسع المجال لتسويق سلعها نتيجة زيادة القوة الشرائية للعالم الثالث بسبب نموه الاقتصادي وبالتالي نمو قدرته على شراء صادرات العالم الصناعي.
شروط نجاح المصارف الإسلامية
لتقييم الاتجاه العام للمصرفية الإسلامية تقييماً موضوعياً بعيداً عن الأوهام وعن نوازع العاطفة لابد أن يتم ذلك بمعيار مدى نجاح المصارف الإسلامية في تحقيق الأهداف الأربعة المشار إليها أعلاه:
1 - أن يكون المصرف بديلاً ناجحاً للمصرف الربوي بحيث ينافسه في الكفاية ويختلف عنه جذرياً في الفلسفة وآلية الأداء.
2 - أن يحقق المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل مع المال.
(أ) أن يكون قياماً للناس
(ب) أن لايكون دولة بين الأغنياء.
(ج) وأن يحقق العدل بين طرفي المعاملة.
3 - تكوين المناخ الاستثماري المناسب في العالم الإسلامي.
4 - تحقيق النمو الاقتصادي.
فهل نجحت المصارف الإسلامية في ذلك؟
نلاحظ أولاً أن المصرف ربوياً أو إسلامياً يقوم بوظيفتين أساسيتين: الخدمات، والتسهيلات، ولأجل ذلك يقوم بتعبئة الموارد، واستخدامها فمن حيث تعبئة الموارد فلا شك أن المصارف الإسلامية نجحت في الجملة فهي لاتشكو من شح الودائع تحت الطلب ولكن العامل الذي ساعدها في ذلك عامل خارجي هو التفضيل العاطفي الناشئ لدى المودعين عن كراهية الربا ومؤسساته.
ونجحت في اجتذاب الودائع الاستثمارية عن طريق إبدال الفائدة بنسبة الربح ولكن عاق نجاحها من الناحية العلمية، عدم قدرتها على منافسة البنوك الربوية من حيث قيمة العائد على الاستثمار، وهذا شيء طبيعي لأن أدواتها في استخدام الموارد أقل كفاية من أداة الفائدة المباشرة التي تستخدمها البنوك الربوية في حين أن هدفها في استعمال المال لايختلف عن هدف البنوك الربوية أي إدانة النقود لأجل في مقابل ثمن الأجل.
وفي مجال الخدمات كان أداؤها في الجملة لايقل عن أداء البنوك الربوية، وطبيعي أن يكون هذا النجاح في كلا النوعين على درجات تبعاً لمدى القدرة التكنولوجية للمصرف.
أما من ناحية استخدام الموارد فإن نجاحها في أن تختلف من ناحية الجوهر والحقيقة عن البنوك الربوية كان متواضعاً جداً إلى درجة أنه حال بينها في الجملة وبين تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.
فرار من صورة الربا
لقد تكررت الإشارة فيما سبق أن المصرف الإسلامي سوف يتميز عن المصرف الربوي في الجوهر والحقيقة، إذا كان يتعامل بالنقود بدلاً من التعامل في النقود، أي إذا كانت استراتيجية أن يستعمل النقود أداة في العقود التي يبرمها مع عملائه مقصودة لذاتها وليس لأن تكون العقود وسيلة لإدانة النقود لأجل في مقابل ثمن الأجل.
فكيف يتم التعامل في المصرف الإسلامي، أو في النافذة الإسلامية - كما تسمى - في البنك الربوي.
¥