تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا أدركنا ذلك أدركنا حجم ونسبة المعاملات التي تتم في المصارف الإسلامية لهذا الغرض وأدركنا بالتالي خصائص الاتجاه العام للمصارف الإسلامية، وهو تركيز الهم والعمل على اختراع منتجات تبعد عن صورة الربا، ولكنها لاتبعد عن المقصود منه وبالتالي لاتبتعد عن آثاره الاقتصادية.

وقد انتهى الأمر بالمصرفية الإسلامية إلى اختراع منتج تيسير الأهلي أو التورق المبارك حيث اقتربت آلية استخدام الموارد بهذين المنتجين، من ناحية التخفف من الإجراءات والتكاليف التي تثقل المرابحة والاستصناع والتأجير المنتهي بالتمليك كما تطبق في المصارف الإسلامية اقتربت من آلية استخدام الموارد في البنوك الربوية وأصبح الفارق زيادة بسيطة في عبء التسهيلات يتحمله العميل أو المصرف الإسلامي.

وإذا كان كل ماتقدم صحيحاً، فيجب أن يكون صحيحاً أن الاتجاه العام السائد للبنوك الإسلامية في استخدام الموارد لم يسمح ولن يسمح للمصارف بتحقيق أهدافها الموضحة أعلاه.

فلا يمكن أن يكون المصرف الإسلامي في وضعه الحاضر بديلاً عن البنك الربوي وإنما يمكنه أن يتعايش مع البنوك الربوية بشرط بقاء الدوافع العاطفية للمتورعين عن الربا على تأثيرها كقوة خارجية تسند المصارف الإسلامية في مجال تنازع البقاء.

ومن ناحية ثانية:

فقد عجزت المصارف الإسلامية عن تحقيق أي من المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل في المال.

فاستعمال المال في غير وظيفته الطبيعية بالإغراق في عمليات المضاربة في الأسهم والعملات والمعادن والاستجابة لدواعي الاستهلاك الطائش لدى الناس.

والتحيز لجدارة الامتنان على حساب الجدوى الإنتاجية الذي ظهر في عجز المصارف الإسلامية في تغيير مسار الأحوال الوطنية واتجاهها إلى الأسواق المالية العالمية.

بل ربما أخذت هذه الأموال على يد البنوك الإسلامية طريقاً أسرع انحداراً وأكثر رُحمًا، وحقيقة أن فى الأغلب من عمليات المصارف الإسلامية سواءً في عقود المرابحة أم الاستصناع أم الإيجار المنتهي بالتمليك كان كل العائد الذي تحصل عليه هو ثمن الأجل في التمويل ولا تتقاضى مقابلاً عن أداء أي عمل يمثل قيمة اقتصادية مضافة.

كل هذه الأمور تنافي المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل في المال.

ومن ناحية ثالثة:

لم تتمكن المصارف الإسلامية من تلبية تعطش المدخرين المسلمين إلى قنوات استثمارية ملائمة، وكان ذلك نتيجة طبيعية للآلية التي تعمل بها في استخدام الموارد والتي ماكانت لتسمح لها بالحصول على عائد ينافس العائد الذي تحصل عليه البنوك الربوية إذ كانت الأدوات التي تستخدمها أقل كفاءة من أدوات البنوك الربوية فحين نقارن على سبيل المثال: نظام المرابحة بنظام الفائدة نرى أن نظام المرابحة أكثر كلفة من نظام الفائدة في حين أن عائد المرابحة يقل عن عائد الفائدة أو على الأقل يساويه.

ولذلك فإن دور المصارف الإسلامية في إيجاد المناخ الاستثماري الملائم، في العالم الإسلامي لم يكن أفضل من دور البنوك الربوية. ومن ناحية رابعة:

فإنه نتيجة لكل ماسبق لم تؤثر المصارف الإسلامية الكثير في تنشيط النمو الاقتصادي في العالم الإسلامي، بل إنها لاتستطيع أن تدعي أن أداءها في هذا المجال أفضل من البنوك الربوية.

إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لايمكنها من ذلك على نحو ماوضح فيما سبق فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ماعجزت عنه في الماضي.

والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً.

وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي (تيسير الأهلي)، (والتورق المبارك).

والظاهر أنه من الناحية العلمية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل (بتيسير الأهلي) أو (التورق المبارك) بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه، أن يدعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا.

بهذا الاقتراب من البنوك الربوية فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية ولا يبقى لها إلا الاسم.

لا أحد يمكن أن يطلب من المصارف الإسلامية أن توقف عملياتها وتتحول إلى العمليات الشرعية بين عشية وضحاها وكل مايطلب منها تغيير هذا الاتجاه العام.

ولا أحد يطلب من المصارف الإسلامية في البداية أن تبتكر عمليات جديدة، بل إن المسح العابر لخريطة التعاملات الجارية حالياً في التجارة الدولية يثبت وجود هامش واسع للعمل والممارسة بما يتفق وروح المصرفية الإسلامية الحقيقية ومميزاتها الأساسية وأهدافها في تحقيق العدل والتنمية واستعمال المال في وظيفته الطبيعية التي خلقها الله لها.

كل مايطلب من المصرفية الإسلامية أن تتخلص من الاتجاه العام الذي يسودها ويتلخص في الرغبة والإرادة والعمل لإدانة النقود لأجل مقابل عوض عن الأجل ودون أن تتضمن عمليات المصرف قيمة اقتصادية مضافة.

(المقال منقول من بعض المواقع)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير