تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالناس هذا حظه مال وذا علم وذاك مكارم الأخلاق

احترامه لنفسه وحسن معاشرته لغيره:

إن الخلق الحسن والأدب الجم هما المعيار لسلامة النفس من الآفات الظاهرة والباطنة، ولقد جمع الشيخ عبد الرزاق ولا أزكى على الله أحداً أخلاقاً عالية وأداباً سامية، إلى جانب كرمه وعفته وزهده ومروءته لا يعرف ذلك عنه إلا من خالطه عن قرب ونهل من علمه واستفاد من تجاربه وفضلاً عن ذلك فإن الشيخ رحمه الله كان ذا هيبة ووقار بريئاً من الكذب بعيداً عن التصنع مستقل الرأي لا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبراً ولا ذليلاً وكان يعرف لنفسه قدرها ولم يكن من شأنه التلاعب بالأقوال والقضايا الجدلية المؤدية إلى العبث بالحقائق بل كان جاداً يكره أن يحوط نفسه بمظاهر العظمة الكاذبة.

ولا شك أن هذه الصفات الحسنة والخلال الكريمة جعلت الشيخ موضع تقدير واحترام وإكبار من أقرانه من العلماء ومن طلابه ومحبيه وعارفي فضله والفضل فضله والفضل يعرفه ذووه.

وفضلاً عن ذلك كله فإن الشيخ –رحمه الله كان غاية في حسن المعاشرة وقدوة في روعة المؤانسة لا يحسد ولا يحقد مجلسه مجلس خير وعلم ومحله محل حياء وحلم يجيب دعوة من دعاه ويعود المرضى ويتجاوز عمن أساء إليه ويدفع بالتي هي أحسن ويدعو أصدقاءه وطلابه بكناهم وأحب أسمائهم إليهم ويميل إلى محادثتهم والتلطف معهم وهو مع ذلك عزيز النفس موفر الكرامة قوى الإرادة زاهداً فيما عند الناس.

ثباته على مبدئه:

إن الأخلاق إذا تعاورتها الشدائد والأهوال سبكتها وأخرجت منها خلقاً قويماً ثابتاً فالشدائد تظهر ما هو كامن في الإنسان فإما أن تجعل منه خلقاً عظيماً يظل على مر الليالي والأعوام نبراساً يستضاء به وإما أن تقضي عليه فتجعله أثراً بعد عين

ومن أجل ذلك وجب على من يطمحون إلى الظفر وبلوغ المقاصد العظيمة أن يعدوا أنفسهم لركوب متن الأهول واحتمال الشدائد وتوطين أنفسهم على المكاره.

وما أروع ما قاله صفي الدين الحلي:

لا يمتطى امجد من لم يركب الخطرا ولا ينال العلا من قدم الحذرا

ومن أراد العلا عفواً بلا تعب قضى ولم يقض من إدراكها وطرا

لابد للشهد من نحل يمنعه لا يجتن النفع من لم يحمل الضررا

لا يبلغ السؤال إلا بعد مؤلمة ولا تتم المنى إلا لمن صبرا

إن على أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية والأغراض السامية أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباته وسائر أخلاقه.

إن السابر لأغوار الشيخ عبد الرزاق والواقف على سيرته والمتتبع لمراحل حياته يدرك تمام الإدراك أن الشيخ تميز بصفة الثبات على المبدأ فما عرف منه التذبذب في الرأي والتعددية في القول وما عرفت المداهنة والمجاملة طريقاً إليه بل كان يقول الحق ويقصده ويتحرى الصدق ويؤثره وادل دليل على ذلك إن الشيخ رحمه الله كانت له آراء خاصة في بعض المسائل العلمية لا يذكرها إلا للخاصة من أصحابه ولا يسؤه أن يكون هناك من يخالف فيها وإذا ذكرت أمامه الآراء التي تخالفه لا ينفعل ولا يتشنج لأنها تخالفه بل يقول: لكل رأيه وكثيراً ما كنت أسمعه يقول لمن يستفتونه ويسألونه في أمور دينهم بعد أن يبين لهم الحكم الشرعي فيما سألوه فيه " ما أعرفه قلته إسألوا غيري؟ وهذا إن دل فغنما يدل على ثقته بنفسه واعتزازه بدينه وخوفه من ربه لا يخشي في ذات الله لومة لائم وفضلاً عن ذلك فقد كان رحمه الله قوياً صلبا لينا سهلاً في الرجوع إلى الصواب وإلى ما يظهر له انه خلاف الحق الذي ثبت بالأدلة الصحيحة الصريحة.

ابتلاؤه وصبره:

الابتلاء سنة من سنن الله الكونية به يتميز الطيب من الخبيث والمؤمن من المنافق.

إن الشدائد والنوازل تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات وتتفتح في القلوب منافذ ما كان ليعلهما المؤمن من نفسه إلا حين يتعرض للابتلاء إن من حكمة الله في الابتلاء أن تستيقظ النفس ويرق القلب بعد طول غفلة فتتوجه الخلائق إلى ربها يتضرعون إليه يرجون رحمته وعفوه.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لابد من الابتلاء بما يؤذي الإنسان فلا حرص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكر الله سبحانه في غير موضع من كتابه أنه لابد أن يبتلي الإنسان بما يسره وما يسؤوه فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكوراً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير