تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولسان حال العقلاء، وأصوات كثير من الحكماء، تذكّرهم بنعمة الله عليهم، وبالخير الّذي لديهم: كيف كثّر الله أهل السنّة بعد قلّة، وكيف نشر دعوتهم بعد أن كانوا ثلّة: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.

- فتذكّر عاقبة المفسدين ..

- وتذكّر أنّ الله قرن عقوبة قتل العلماء، بعقوبة قتل الأنبياء، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ..

وأكّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الوعيد على ذلك، فقد روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا)).

لأنّ قتل الأنبياء إطفاء لنور الوحي والهدى، وإضرام نار الغيّ والرّدى .. فقِس العالم التقيّ النقيّ، على الرّسول والنبيّ ..

ثمّ قِسِ إماتة أجسادهم، بإماتة علمهم وذكرهم، وليس في العلّة من خفاء، إلاّ على أهل البغي والجفاء، فالعلماء للأنبياء خلفاء.

فلْيعلم كلّ من حذّر من مجالس العلماء والدّعاة، أنّه من قطّاع الطّرق والبُغاة، وأنّه بلمزه لهم، وتحذيره للنّاس منهم، أنّه أداة لقبض العلم، أصاب الدّين بالثّلم، ورحم الله الحسن البصريّ القائل:

" كانوا يقولون: مَوْت العالِم ثُلمة في الإسلام لا يسدّها شيء ما اختلف اللَّيل والنّهار ".

فتأمّل هذه العبارة، والحرّ تكفيه الإشارة ..

- النّداء الثّاني: تذكّر حقوق العلماء والدّعاة:

وإنّ معرفة حقوق المسلم على المسلم لمن أعظم الواجبات، ومن أجلّ الطّاعات والقربات، وكيف لا، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)) ..

وروى التّرمذي وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ)).

فإذا كان هذا حقّ كلّ مسلم على المسلم، فكيف بحقّ أهل العلم؟!

من ذلك:

1 - حبّهم: فحبّهم قربة من القربات، وطاعة من الطّاعات، فهم ورثة الأنبياء، وسادة الأتقياء، قال ابن المبارك: (كُنْ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً، أَوْ مُحِبًّا لَهُمَا، وَلاَ تَكُنْ الرَّابِعَ فَتَهْلَكَ).

وصدق رحمه الله تعالى، وكأنّه استنبط ذلك من الحديث الذي رواه التّرمذي بسند حسن عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ ما فِيهَا، إلاَّ ذِكرَ الله تَعَالى، وَمَا والاهُ، وَعَالِماً، أوْ مُتَعَلماً)).

قال أهل الحكمة والحلم: لا يُنال السّؤدد ولا العزّ إلاّ بالعلم، لذلك رفع الله قدر الأنبياء والعلماء، فكانوا في درجاتٍ ما بينها كما بين الأرض والسّماء، فمن أخذوا علمهم ورثوا ما عندهم، ومن أحبّوهم رُضِخَ لهم، إلاّ من آذاهم وجعل عرضهم فيئا، فـ: ((لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا)) .. فمحبّ أهل العلم مرحوم محبوب، ومبغضهم محروم محجوب.

2 - توقيرهم واحترامهم:

فقد أوجب الله لهم التّقدير والاحترام، والإجلال والإعظام، وجعل حرمتهم من أعظم الحرمات، قال الله تعالى: {وَمَن يُعَظِّم حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ}، وقال: {وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ}.

فما فضّل الله تعالى آدم على ملائكته الكرام، إلاّ بالعلم، قال تعالى: {وَعَلّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَى المَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسمَاءِ هَؤُلاَءِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ}، فلمّا عجزت الملائكة، قال تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئهُم بِأَسمَائِهِم .. }، حتّى قال: {وَإِذ قُلنَا لِلمَلاَئِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا .. }، فوالله ما كانت خيبة إبليس إلاّ من تركه لهذا الأدب، فكان من الملعونين إلى أبد الآبدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير