تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - لا يكَادُ يجهَلُ منتسبٌ للعلمِ أنَّ الله تعالى شاءَ للأمَّةِ أن تعيشَ أطواراً تضعفُ فيها الهممُ طوراً بعدَ طورٍ ويتَّسعُ البونُ بين اللاحقِ والسَّابقِ في كل ساعةٍ سبيعينَ ذراعاً , وإذا عرَفَ المُزهِّدونَ ذلك أو عُرِّفُوهُ فلن تسعهم حيلةٌ في إنكار أنَّ إنزالَ أهل هذا الزمنِ منزلةَ الأقحاحِ الأوائلِ في استمداد المعارفِ مباشرةً عن طريق الوحيِ والتواصي بقفز هذه القرونِ الطويلة – الودودِ الولودِ لمتونِ العلمِ على اختلافِ شُعبهِ , والتي شهدتْ شهادةَ العدلِ الضَّابطِ على عُمقِ الهُوَّة بيننا وبين اللسان العربي مع استحكامِ العُجمةِ - ضربٌ من خيالٍ أو الياءُ موحدَةٌ , ذلكَ أنَّ وسائطَ التحصيل العلميِّ عندهم لم تكن تتعدَّى المشافهةَ , بخلافِ واقعنا اليومَ فقد بلغتْ فيه اللغةُ مبلغاً مدهِشاً لا يخفى معهُ أثَرُ التداعياتِ التي طالتها ونالتها منذ عصر التنزيل مما جعلَ من لغةِ ذلك العصرِ عبئاً ذهنياً ومعرفياً تنوءُ به النُّخبةُ أولو الشهاداتِ والمراكز العلمية فضلاً عن العامَّة والدَّهماء , فمن تأمَّلَ هذه القضيَّةَ ودرسَ أبعادَها وطالعَ امتدادها التأريخيَّ لم يعد مرتاباً في أنَّ المُتونَ العلميَّةَ إنَّما هي قسطاسٌ مستقيمٌ يستضاءُ بهِ الحلَك ويُنالُ به الظَّفرُ والدَّركْ.

2 - لو تأمَّلَ المُزهِّدونَ أخبار الصاحبينِ العُمَرَينِ رضي الله عنهما لوجدوا أنَّ عملَهما هو أوَّلُ تأسيسٍ لوضعِ المصنَّفاتِ وتقعيد العلمِ صيانةً للوحي وإن كانَ جهدُهما المبرور غيرَ مباشرٍ فقد رُوي جمعُ الصديقِ للناسِ وقولُهُ لهم (إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا) , وتأمَّل قوله (والناس بعدكم أشد اختلافا) ففيهِ إلماحةٌ إلى مشقَّة التثبُّت وصيانة العلمِ عن الخلطٍ فيه كلما تقدمت بالناس أعصارهم وتناءت أمصارهم , ولا يخفى حديث عمرَ مع أبي موسى واستشهاده الأنصارَ على سماعِ حديث الاستئذانِ وأبو موسى أبو موسى رضي الله عن الجميع.

ومن أجل ذلكَ فإنَّهما - رضي الله عنهما - بعد انقطاعِ الوحيِ أخَذا يتثبَّتانِ من الأخبار ويتحرَّيَان عدالَةَ النَّقَلَةِ وتابعهم على ذلك بقيةُ الصحابة وتابعوهم مع ملاحظة أنَّ الأمرَ يتَّسعُ بمرور الزَّمن وتكاثر النَّاسِ ومَشَقَّةِ انحصار العلمِ في بلدٍ حتى احتِيجَ إلى تغيير وسائلِ هذا القصدِ الأسمى إمَّا بالكتابة أو التعديلِ أو الإشهادِ على الروايةِ طلباً لغايتهما رضي الله عنهما حتى نَشأَ عن ذلكَ ما نرِثُهُ نحنُ اليومَ من مصنفاتٍ ومطوَّلاتٍ ومُختَصَراتٍ ومتونٍ ومنظوماتٍ , هذا فيما يتعلق بسبب اقتصار الأوائل على الوحيين وزيادة من بعدهم على ذلك متوناً ومنظوماتٍ ووسائلَ يحصِّلونَ بها ما نالهُ أولئك وعزَّ علينا بسبب امتداد الزمان و أمَّا فيما يتعلقُ بسُنَّة الحفظ فهاكَ هذه الأخبار:

3 - الطاهرةُ المُطَهَّرةُ أم المؤمنينَ عائشة رضي الله عنها كانت إلى جانب أخذها الوحيَ من ينبوعهِ الدفَّاقِ ومجراهُ الرقراق تَغذُو حافظَتها بلِبانٍ لا تُحصَى لمعارفَ تعينُ على إعلاء صرحهِ وفهمه وشرحهِ , ولا بلغَ بأحدٍ تجَنِّيهِ أن يجعلَ هذا القدرَ الهائلَ من محفوظاتها وسيلةً للقدحِ , وهي تستخدمُ مجموعَ ذلكَ في خدمةِ الوحيينِ وتبيانهما للنَّاسِ , قال عروةُ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وعن خالته: {لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طب، منها , فقلت لها: يا خالة، الطب، من أين علمته؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي الشئ، ويمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض، فأحفظه} (انظر سير أعلام النبلاء2/ 183).

4 - هذا حبرُ الأمَّةِ وترجمانُ القرآنِ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما كانَ مِثَجَّةً كثيرَ العلمِ وضمَّ إلى الوحيينِ شيئاً لا يُحصى من المتونِ المتمثِّلَةِ في الشعر الجاهليِّ - وهو– حاشاهُ - غيرُ هازئٍ بنفسهِ لأنَّهُ يرى حفظَ الشعرِ استعانةً على فهم القرآنِ – يقول عنهُ الحافظُ البغوي رحمه الله (دعا عمرَ بنَ أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير