تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال في ذات كتابه النفيس: (ولا يلتبس هذا الأصل الإسلامي بما تراه مع بلج الصبح، وفي غسق الليل من ظهور ضمير أسود، وافد من كل فج استبعد نفوسا بضراوة، أراه: "تصنيف الناس" وظاهرة عجيب نفوذها هي: "رمز الجراحين" أو "مرض التشكيك وعدم الثقة" حمله فئام غلاظ من الناس يعبدون الله على حرف، فألقوا جلباب الحياء، وشغلوا به أغرار التبس عليهم الأمر فضلوا، وأضلوا، فلبس الجميع أثواب الجرح والتعديل، وتدثروا بشهوة التجريح، ونسج الأحاديث، والتعلق بخيوط الأوهام، فبهذه الوسائل ركبوا ثبج التصنيف للآخرين؛ للتشهير، والتنفير، والصد عن سواء السبيل.

ومن هذا المنطلق الواهي، غمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام، ثم بسطوها بإصدار الأحكام عليهم، والتشكيك فيهم، وخدشهم، وإلصاق التهم بهم، وطمس محاسنهم، والتشهير بهم، وتوزيعهم أشتاتا وعزين:

في عقائدهم، وسلوكهم، ودواخل أعمالهم، وخلجات قلوبهم، وتفسير مقاصدهم ونياتهم .. كل ذلك وأضعاف ذلك مما هنالك من الويلات، يجري على طرفي التصنيف: الديني، واللاديني).

وقال: (وقد جرت هذه الظاهرة إلى الهلكة في ظاهرة أخرى من كثرة التساؤلات المتجنية -مع بسمة خبيثة- عن فلان وعلان والإيغال بالدخول في نيته وقصده، فإذا رأوا (شيخاً) ثنى ركبتيه للدرس، ولم يجدوا عليه أي ملحظ، دخلوا في نيته، وكيفوا حاله: ليبني نفسه؛ لسان حاله يقول: أنا ابن من فاعرفوني. ليتقمص شخصية الكبار. يترصد الزعامة.

وإن ترفقوا، وغلبهم الورع، قالوا: محترف بالعلم.

وإن تورع (الجراح) عن الجرح بالعبارة أو استنفدها أو أراد ما هو أكثر إيغالا بالجرح، سلك طريق الجرح بالإشارة، أو الحركة بما يكون أخبث وأكثر إقذاعاً. مثل: تحريك الرأس، وتعويج الفم وصرفه والتفاته وتحميض الوجه وتجعيد الجبين وتكليح الوجه والتغير والتضجر.

أو يسأل عنه فيشير إلى فمه أو لسانه معبرا عن أنه: كذاب أو بذيء. ومثل: تقليب اليد أو نفضها.

إلى غير ذلك من أساليب التوهين بالإشارة أو التحريك.

ألا شلت تلك اليمين عند الحركة التوهين ظلماً.

وصدعت تلك الجبين عن تجعيدها للتوهين ظلماً.

وياليت بنسعة من جلد تربط بها تلك الشفة عند تعويجها للتوهين ظلماً).

وقال: (فيا لله كم لهذه: (الوظيفة الإبليسية) من آثار موجعة للجراح نفسه؛ إذ سلك غير سبيل المؤمنين. فهو لقىً، منبوذ، آثم، جان على نفسه وخلقه ودينه وأمته.

من كل أبواب سوء القول قد أخذ بنصيب؛ فهو يقاسم القاذف ويقاسم: البهات والقتات والنمام والمغتاب ويتصدر الكذابين الوضاعين في أعز شيء يملكه المسلم: (عقيدته وعرضه).

قال الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)

وهذا البهت قد يوجب: (ردة) للقائل نفسه، كما لو قال لمن عمل بالإسلام: رجعي، متخلف، كما ترى تقريره في أبواب الردة من كتب الشريعة الحديثية والفقهية؛ ولهذا ألف ابن قطلوبغا رسالة باسم: (من يكفر ولم يشعر).

وهذا أسوأ أثر على المتفكهين بهذه الظاهرة فضلا عن آثارها الأخرى عليه: منها سقوط الجراح من احترام الآخرين، وتقويمه بأنه خفيف، طيَّاش، رقيق الديانة، صاحب هوى، جره هواه وقصور نظره عن تمييز الحق من الباطل، إلى مخاصمة المحق، والهجوم عليه بغير حق.

بل وسوأة عظمى احتساب المبتلى هذا السعي بالفساد من الدين وإظهاره بلباس الشرع المتين والتلذذ بذكره ونشره.

حقا لقد أتعب التاريخ وأتعب نفسه وآذى التاريخ وآذى نفسه فلا هو قال خيرا فغنم ولا سكت فسلم.

فإلى قائمة الممقوتين في سجل التاريخ غير مأسوف عليهم:

إن الشقي بالشقاء مولع ... لا يملك الرد له إذا أتى

وكم أورثت هذه التهم الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفقة في الصدر ودمعة في العين وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل؛ لهجاً بكشفها مادّاً يديه إلى مغيث المظلومين، كاسر الظالمين.

والظالم يغط في نومه، وسهام المظلومين تتقاذفه من كل جانب، عسى أن تصيب منه مقتلاً.

فيا لله: "ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له، وبين من نام وأعين الناس تدعو عليه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير