والقول الأوسط في الإعارة هو أن تعير من يحفظ الكتاب ويرجعه في وقته، وأرى أن تجعل كناشاً تكتب فيه أسماء المستعيرين، والساعة التي استعار فيها الكتاب وتحدد معه اليوم الذي سيرد فيه الكتاب فإن تأخر وفات الميعاد تكتب فيه فات الميعاد بعشرة أيام والكتاب لم يرجع وتنظر إن كان الكتاب موجوداً في المكتبات اشتريته، وتكتب مرة ثالثة في الكناش فلاناً ممنوع من إعارة الكتب الخ.
وقال بعضهم: (لا تعر كتابك إلا بعد يقين بأن المستعير ذو علم ودين) [4].
وكان بعضهم إذا سأله إنسان أن يعيره كتباً قال: (أرني كتبك، فإن وجدها مصونة مكنونة أعاره وإن رآها مغبرة متغيرة منعه) [5].
ومن طرائف ما يروى في إعارة الكتب واستعارتها والمحافظة عليها أن رجلاً استعار من أبي حامد الإسفراييني-رحمه الله تعالى-كتاباً، فرآه أبو حماد يوماً وقد أخذ عليه عنباً ثم إن الرجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتاباً، فقال: تأتيني إلى المنزل، فأتاه، فأخرج الكتاب إليه في طبق وناوله إياه، فاستنكر الرجل ذلك، وقال: ما هذا؟ فقال له أبو حامد: هذا الكتاب الذي طلبته وهذا طبق تضع عليه ما تأكله. فعلم بذلك ما كان من ذنبه.
وسأل رجل رجلاً أن يعيره كتاباً فقال: علي يمين ألا أعير كتاباً إلا ببرهان، قال: هذا كتاب استعرته من فلان فأتركه رهناً عندك. فقال: أخاف أن ترهن كتابي كما رهنت كتاب غيري [6].
وقال الإمام أبو داود-رحمه الله تعالى-: قال وكيع–بن الجراح-رحمه الله تعالى-: (قد نهيت أبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان قد دفن كتبه) [7].
وقال الإمام الآجري-رحمه الله تعالى-: (سمعت أبا داود يقول: ذهب الفضيل بن سليمان [8] والسنتي [9] إلى موسى بن عقبة فاستعارا منه كتاباً فلم يرداه) [10].
وللإعارة آداب منها:
أ-شكر المعير والدعوة له بالخير.
ب-ولا يطيل مقام الكتاب عنده من غير حاجة.
جـ-ولا يحسبه إذا طلبه المالك أو: استغنى عنه.
د-على المستعير ألا يكتب شيئاً في بياض فواتحه أو: خواتمه إلا إذا علم رضا صاحبه أو: إذا استأذنه في ذلك.
هـ-ولا يعيره غيره إلا بعد الاستئذان.
و-ولا يجوز له أن يصلحه إلا بإذن صاحبه.
ز-ولا يجوز له أن يكتب عليه تعليقات أو: تصحيحات بغير إذن صاحبه.
قال ابن جماعة [11]: (وينبغي للمستعير أن يشكر للمعير ويجزيه خيراً، يطيل مقامه عنده من غير حاجة، بل: يرده إذا قضى حاجته، ولا يحبسه إذا طلبه المالك أو: استغنى عنه. ولا يجوز أن يصلحه بغير إذن صاحبه، ولا يحشيه، ولا يكتب شيئاً في بياض فواتحه أو: خواتمه إلا إذا علم رضا صاحبه، ولا يعيره غيره، ولا يودعه لغير ضرورة).
وقال يونس بن يزيد-رحمه الله تعالى-: قال لي الزهري: (يا يونس، إياك وغلول الكتب.
قال: قلت: وما غلول الكتب؟ قال: حبسها عن أصحابها) [12].
قال الخطيب-رحمه الله تعالى-: (ولأجل حبس الكتب امتنع غير واحد من إعارتها).
حـ-على المستعير أن يتفقَّ الكتاب قبل أخذه وقبل رده حتى يتأكد من سلامته [13].
ولا أرى أن تمنع الطالب من الكتاب متى طلبه-مع مراعاتك الشروط السابقة–حتى لا تندرج تحت قوله تعالى: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) [14]، وقوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه لللناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنه اللاعنون) [15].
وقوله-: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار) [16].
قال الشيخ محمد صالح المنجد في كتابه (كيف تقرأ كتاباً) [17]: (ينبغي على القارئ أن يحافظ على كتابه، سواء كان ملكاً له أو: لغيره، وذلك لتستمر الاستفادة منه، والكتاب المحفوظ المصون ينشرح الصدر للقراءة فيه، وكان علماؤنا–رحمهم الله-يعتنون بكتبهم اعتناءاً شديداً.
فيقول قائلهم: (لا تجعل كتابك بوقاً ولا صندوقاً) أي: لا تلوه على بعضه فيكون كهيئة البوق ولا تكثر من وضع الأشياء فيه فيكون بمثابة الصندوق وكلا الأمرين مما يجعل بتلف الكتاب، وبلغ من دقة أهل العلم في هذا الأمر أنهم ذكروا صفة وضعه عند القراءة فمما قاله بعضهم–يوصي بالكتاب خيراً:
(وأنه لا يفرش لكيلا يتقطع حبله بسرعة، ولا يوضع على الأرض مباشرة وإنما فوق خشبة لئلاَّ يبتل، وإذا وضعه على خشبة وضع فوقها أو: تحتها جلداً، أو: بينه وبين الحائط يضع جلداً، أو: بينه وبين الحائط يضع جلداً).
¥