وتوجُّهنا إلى تحقيق كتابٍ نُشِرَ منه جزء أو أجزاء لا يعيبنا فى شىء؛ وذلك لأمور، منها:
أولاً: من الناحية القانونية، ليس هناك حظر على تحقيق الكتب التراثية ونشرها؛ فقد قررت المحاكم فى أحكامها ذلك، إلا ما كان من حقٍّ فى هوامش التحقيق التى تتضمن تعليقات وحواشىَ يضيفها المحقق إلى الكتاب، وتحقيق الدكتور الخراط لكتاب ((الدر المصون)) يكاد يكون خاليًا من هذه الهوامش.
ثانيًا: ومن الناحية الشرعية: لو كان اعتماد اللاحق على السابق والإفادة منه والنقل عنه محرمًا، لما فعل سلفنا الصالح ذلك، وهم أسوتنا وقدوتنا؛ فكثير من كتب أهل العلم ينقل بعضها عن بعض، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك بنقل فصول كاملة دون عزو، ونضرب على ذلك مثالاً واحدًا:
ابن القيم ذلكم العالم الجليل، الذى اتفقت الأمة على إمامته، نقل فصولاً كاملة فى كتابه ((بدائع الفوائد)) عن كتاب ((نتائج الفكر)) للسهيلى، ودون عزو ... فهل يجيز لنا ذلك أن نطعن ونجرح فى ابن القيم؟ وهل فعلنا نحن ما فعل ابن القيم، فأخذنا نص كتاب ((الدر المصون)) ونسبناه إلى أنفسنا؟ وهل كتاب ((الدر المصون)) للسمين الحلبى أم للدكتور الخراط، حتى يكون مقصورًا تحقيقه ونشره على الدكتور الخراط وحده؟!
إن كتب التراث مباحة لكل أحد، وليست مقصورة على شخص دون شخص، وإن كل ما فعلناه فيما يخص تحقيقه أننا رجعنا إلى الدكتور الخراط وأفدنا منه فى الجزء الذى حققه، وليس هذا مما يعيب المحقق كما أشرنا.
ثالثًا: كتاب ((الدر المصون)) – فى حقيقته – ما هو إلا اختصار لكتاب ((البحر المحيط))، ومعنى هذا أن نصه لا يشكل عبئًا كبيرًا على المحقق الممارس فى ضبطه؛ ذلك لتيسر الرجوع إلى كتاب ((البحر المحيط)) الذى هو أصله، والاعتماد عليه فى الضبط والتدقيق.
يضاف إلى هذا أن ((الدر المصون)) يعد أحد الكتب التى اعتمد عليها ابن عادل فى تفسيره الكبير المسمى بـ ((اللباب فى علوم الكتاب)) وهو عشرون مجلداً بتحقيقنا ومشاركة الأستاذين:
الدكتور / محمد سعد رمضان حسن.
والدكتور / محمد متولى الدسوقى.
كلّ برسالته الجامعية فى الجزء الذى حققه من الكتاب. ونشر بهذا التحقيق لأول مرة.
ومعنى هذا أن نص ((الدر المصون)) ليس غريبًا علينا، ويتيسر لنا تحقيقه وضبطه فى سهولة ويسر.
رابعًا: قامت بعض الهيئات العلمية بتحقيق كتب شرعت هيئات أخرى فى تحقيقها، ونضرب لذلك مثالين:
1 - قام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بتحقيق الجزء الأول من ((تأويلات أهل السنة)) للماتريدى، ثم قامت بتحقيقه بعد ذلك وزارة الأوقاف العراقية، وذلك قبل حرب الخليج.
2 - قامت كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بتحقيق كتاب ((الذخيرة)) للقرافى ونشره، ثم قامت دار الغرب الإسلامى بطبعه ونشره بعد ذلك.
وإذا أردنا أن نحصر من قام بتحقيق كتاب ثم أعاد التحقيقَ شخصٌ أو هيئة علمية لطال بنا المقام.
إن ما نحله الدكتور الخراط من قصائد فينا وفى ذمنا، ما أسهل علينا أن ننسج مثلها وأشد، لكن نبرئ ألسنتنا وأقلامنا ونبرئ أنفسنا عن فعل مثل هذا.
أما سؤال الشيوخ الأثبات فهؤلاء الشيوخ الأثبات فى نظر النقاد صاحب الكلمة: إما شيخ بيننا وبينه خلاف فى الطرح، وإما حاقد حاسد، وإما جاهل لا هَمَّ له إلا التظاهر بالعلم، وإما شيخ صاحب زعامة لا يقبل إلا من كان تحت قيادته.
وأما العضو سماحة فلا أجد من تعليق على ما قاله فى أول كلامه؛ لأنه أدنى من أكلف نفسى عناء التعليق عليه.
أما الكتب التى استشهد بها فى توثيق التراجم، فلا شك أن كتابًا كـ ((تهذيب الكمال)) لا بد أن يكون تحت أيدينا، وهو وغيره من كتب تراجم الصحابة، وكونك تجد بعض التوثيقات متفقة مع تهذيب الكمال؛ فهذا أمر طبيعى؛ لأن كتابًا كتهذيب الكمال يسرد فى توثيق الترجمة غالبَ ما وجد منها حول الاسم المترجم .. وليس بلازم علينا أن نأتى بكتب فى توثيق الترجمات لم يأت بها صاحب تحقيق ((تهذيب الكمال)).
ثم نود أن نطلع على عمل لك قمت فيه بتوثيق تراجم؛ حتى نتعلم كيف يكون توثيق الترجمة؛ فنحذو حذوك، وإذا لم يكن لك عمل فترجم لنا حتى نستفيد، ويستفيد أصحاب ((الملتقى)). أم هى السفسطة وإلقاء الكلام على عواهنه وحسب؟
¥