مقدمة الشيخ بكر لمشروع "آثار الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة وما لحقها من أعمال"
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[20 - 09 - 04, 07:39 ص]ـ
مقدمة مشروع "آثار الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة وما لحقها من أعمال"
لفضيلة الشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد
عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجمع الفقه الإسلامي بجدة
(المشرف على المشروع)
الحمد لله على ما أولانا ووفقنا وهدانا إلى الاستنجاد بعدد من المحققين لِوَصْل جهود المصلحين في إخراج "آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال". وقد تمَّ بحمد الله تعالى طباعة جملة منها مع مقدمة لها في أحدَ عشر مجلداً، ويتبعها آثار أخرى إن شاء الله تعالى.
والآن نبدأ على هذه المنوال – مستعينين بالله عز شأنه – بأثر من وجهٍ آخر من آثار هذا العالم المجدد في مدرسته التجديدية الإصلاحية، وهي "آثار الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة وما لحقها من أعمال". فإن هذا الإمام الحافظ أبا عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الزُّرعي ثم الدمشقي، المولود سنة 691والمتوفّى سنة 751 – رحمه الله تعالى – هو من أخص تلاميذ شيخ الإسلام به،بل هو أخصهم به، وأسبقهم مرتبة في نشر علمه وفضله، ومن أكثرهم تآليف، أسبغ الله عليه فيها من النَّضارة وجمال العبارة ما بهر عقول العلماء.
ولأن دأبه فيها: استقصاء أصول المسائل وآثارها، وإجراء مطية فكره في أنجادها وأغوارها، وإبراز مقاصد الشريعة وحِكَمِها وأسرارها = صارَ لها من القبول والانتشار ما لا يبلغه الوصف؛ حتى اشتهر وعُرف بمؤلفاته، وَلَحِقَهُ الوصف بها على نَصِيْبَة قبره. فإني دخلت دمشق الشام عام 1412 زرت مقبرة الباب الصغير بالجابية، ووجدت قبره – رحمه الله تعالى – على يسار الداخل، مكتوباً على نَصِيْبَة قبره – على عادة عامة أهل الشام المنكرة شرعاً – ما نصه: "هذا قبر الإمام الحافظ صاحب التصانيف المفيدة ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 رحمه الله تعالى".
وقد تنافس في نَسْخِها واقتنائها أهل العلم من شتى المذاهب، وانتشرت مخطوطات الكثير منها في مكتبات العالمين على الرغم من عدوان المعتدين، وكانت محل الرضا والقبول والتسليم من المُنْصفين، وما هو بالمعصوم.
وبعد ظهور المطابع في العالم الإسلامي تزاحم المصلحون على طباعتها ونشرها، وكان السابقون في ذلك أهل الحديث في شبه القارة الهندية منذ عام 1298 مثل "زاد المعاد" و"إعلام الموقعين" و"النونية". وغيرها، وعنها صدرت بعض الطبعات المصرية القديمة مثل: البولاقية، والأميرية، والسلفية ... ؛ ولهذا لم يَرِد ذِكْرٌ للمخطوط فيها.
ثم تتابع طبع ما شاء الله من آثار هذا الإمام في الشرق الإسلامي، وفي عصرنا توارد الطابعون، لكن شَابَ هذه الأعمال ما انتشر في سوق الكُتْبيين مما امتدت إليه أيدي بعص المرتزقة باسم التحقيق حيناً، والاختصار حيناً آخر، واستلال بحث من أيٍّ منها وإيهام القارئين بأنه تأليف مستقل لابن القيم، وعامة هؤلاء من أصحاب الصنائع والحِرَف الذين لا عهد لهم بتلقي العلم الشرعي عن أهله، وإنما قعدت بهم حظوظهم، وضاقت بهم سُبل المعاش، ولو شئنا لسميناهم بذنوبهم، ولكن نصرف النظر حيناً عسى أن يكون لهم توبة من هذه الحوبة.
ومن العناء أن العلم الشرعي مستباح الحِمى فتسوروه، وعرفوا مطلب السوق الرائجة فأخذوا في العمل على طبعها ونشرها في واحد من هذه الطرق وغيرها بما نشير إلى بعض منه في الآتي:
1 - سرقة ما ناله قلم التحقيق، ولهم في ذلك عدة طرق منها:
أ - تجريده من الحواشي.
ب - التحوير فيها.
ج- القدح بالطبعة السابقة بتلمس الأخطاء فيها وأن طبعته هذه قابلها على نسخة كذا التي وجدها حين زار المحل الفلاني، فمدّ يده إلى رَفٍّ فإذا بمخطوطة نفيسة، فعاد بها غنيمة باردة، وهكذا من الكرامات؟!
د- أنه بعد أن أمضى مدة غير قصيرة في التحقيق وأتمه اطلع عليه محققاً مطبوعاً، أو في رفوف الرسائل الجامعية، ثم يأخذ في ثلبها.
هـ- وإن حَسُنت من بعضهم الحال – وما هو بالحسن – اتخذ فريقَ عملٍ من المُمْلِقِين – (ورشة) كما يقوله بعضُ مَنْ كَرِه حالهم -.
ولهذا تراه في العام الواحد يخرج ما لم يخرجه عميد المحققين مدة حياته في التحقيق: عبدالسلام هارون – رحمه الله –.
¥