تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إعادة طبع كتب التراث بالتصوير - د. عدنان درويش]

ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[11 - 09 - 04, 01:43 ص]ـ

الموروث من المكتبة العربية المخطوطة غني، حفظته لنا دور عامة وخاصة موزعة في أكثر بقاع العالم، ومنذ ما يزيد على قرن من الزمان قام نفر من العلماء أولي فضل في مشارق الأرض ومغاربها يتناولون هذا التراث الحضاري الغني يختارون عيونه ويقومون بتحقيقه ويدفعونه إلى دور النشر لإخراجه مطبوعاً ميسراً للتداول بين أيدي الناس.

ويمضي الزمان وتتقدم الطباعة وتكثر دور النشر وتشيع، وتتسع حركة نشر التراث العربي حتى استقام للمكتبة العربية المطبوعة من الكتب التراثية مقادير صالحة، منها ما كان محققاً تحقيقاً علمياً دقيقاً صحيحاً صينت به أمانة نقل الكتاب المخطوط، ومنها ما نشرت نصوصه دون تحقيق.

حتى كان الثلث الثاني من هذا القرن طلعت دور النشر على الناس ببدعة جديدة سرعان ما شاعت وانتشرت بين تلك المؤسسات، تلكم هي إعادة نشر الكتب التراثية المطبوعة بالتصوير، يحث هذه الدور في ذلك ما تدره عليها هذه الطريقة من ربح من ناحية، وما في هذا العمل من يسر وسرعة إنجاز في إعادة نشرها والاتجار بها.

هذه البدعة كانت ذات وجهين: وجه إيجابي مفيد، ووجه سلبي يضر بحركة نشر التراث العربي.

أما وجهها الإيجابي، فلا شك أن إعادة الطبع بالتصوير عمل ييُسِّر تداول الكتاب التراثي وتوفيره للقراءة بثمن مريح. فكثير من الكتب التراثية المطبوعة منذ عشرات السنين قد نفدت طبعاتها، وأصبح الحصول عليها عسيراً متعذراً للقراء والباحثين، فإعادة طبعها إذن بهذه الطريقة تقضي على الندرة والنفاد وتوفر الكتاب للقراء، وهذا عمل صالح ولا ريب.

وأما الوجه السلبي، فلقد استمرأت دور النشر هذه الطريقة فهي سهلة يسيرة قليلة التكاليف وتعود بالربح الوفير، فقراء الكتب التراثية كثر، والمكتبة العربية التراثية المطبوعة زاخرة غنية، ما على دار النشر إلا أن تتناول من مخزونها الكبير ما تدفعه إلى أجهزة التصوير وسرعان ما يخرج الكتاب إلى السوق حيث الرواج والربح.

إن حافز الاسترواح في الحصول على الربح وتسيير حركة تجارة الكتاب أعشى أبصار دور النشر عن التمييز بين الكتاب التراثي المحقق تحقيقاً علمياً جيداً وبين آخر لم تمسسه يد محقق، فهم ينشرون هذا وذاك ما دام يحقق لهم يسر الاتجار والربح.

وهنا تبرز أمامنا مشكلة كبيرة أضرت غاية الإضرار في حركة نشر التراث العربي من ناحيتين:

الأولى: هي أن هناك –كما ذكرنا- عدداً كبيراً من الكتب التراثية صدرت دون تحقيق، وهناك أيضاً كتب حققت وطبعت إلا أن محققيها كانوا على جانب من الضعف واللين والجهل بهذه الصناعة من عدم استكمال الوسائل المنهجية العلمية في تحقيق النصوص مما جعل هذه الكتب تصدر إلى الناس وفيها شيء كثير من التشويه والآفات التي تعتري النصوص لأسباب شتى منها عدم قدرة بعض المحققين مثلاً على قراءة النصوص المخطوطة وتمرسهم في ذلك، ومنها عدم الالتفات إلى استكمال جمع النسخ المخطوطة للكتاب إن تعددت نسخه. أو غير ذلك مما يقتضيه المنهج العلمي لتحقيق النصوص. فيخرج الكتاب وفيه من الآفات ما قد تزول بها أصالة النص أو الصورة التي أراد لها مؤلفه أن يخرج عليها.

تتناول دور النشر هذه الأنواع من الكتب وتعيد طباعتها تصويراً مكرسة بذلك ما وقع فيها من خلل أو خطأ أو آفة، ويصدر الكتاب ويوضع بين أيدي الناس.

وبذا يقف نشر الكتاب مصوراً عقبة في طريق نفر من العلماء يغارون على النص التراثي وقدسيته، فيترددون كثيراً في بذل الجهد في تناول العمل في تحقيقه من جديد ونشره، لأن السوق زاخرة ملآنة بالنسخ المطبوعة بالتصوير، والعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، كما يقال. وأمر آخر قد يعوق هؤلاء، وهو أن دور النشر حين تكون غايتها الربح والاتجار لا تتحمس كثيراً لنشر نص أعيد تحقيقه وبين يديها الجاهز الذي ييسر لها أسباب الربح عن أقصر طريق، لأن النص المحقق الجديد يكلفها من العناء في الإخراج والطبع والبذل في التكاليف ما هي في غنى عنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير