عندما يكون المصنف في وادٍ .. والمحقق في وادٍ آخر!
ـ[النقّاد]ــــــــ[16 - 09 - 04, 06:40 ص]ـ
المثال الأول ..
كتاب «قبول الأخبار ومعرفة الرجال» لأبي القاسم الكعبي المعتزلي (ت: 319) ..
هذا الكتاب السيء حلقةٌ من حلقات طعن أهل البدع والأهواء في حملة السنة وحماة الشريعة وزينة الدنيا أهل الحديث نضر الله وجوههم .. ليتوصلوا بذلك إلى رد السنن والآثار.
يقول الحافظ ابن حجر في «اللسان» (3/ 255) في ترجمة هذا المبتدع:
«عبد الله بن احمد بن محمود البلخي , أبو القاسم الكعبي , من كبار المعتزلة , وله تصنيف في الطعن على المحدثين يدل على كثرة اطلاعه وتعصبه ...
واشتمل كتابه في المحدثين على الغض من أكابرهم وتتبع مثالبهم , سواء كان ذلك عن صحة أم لا , وسواء كان ذلك قادحًا أم غير قادح , حتى إنه سرد كتاب الكرابيسي في المدلسين , فأوهم أن التدليس بأنواعه عيب عظيم , وحسبك ممن يذكر شعبة فيمن يعد كثير الخطأ! , وعقد بابًا أورد فيه ما يروونه مما ليس له معنى بزعمه , وبابًا فيما يراه متنًا متناقضًا لسوء فهمه ... ».
وانظر لكتاب الكرابيسي وموقف الأئمة منه: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 806 - 809).
فماذا صنع محقق هذا الكتاب - هداه الله , وألهمه رشده -؟!
لقد قدَّم الكتاب إلى القراء على أنه عملٌ صالح , وجهدٌ مبرور , نافح فيه مؤلفُه عن السنة , ودافع عنها , وذاد عن حياضها , وغار عليها من العابثين!!
فقال في مقدمة تحقيقه (ص / 5): «وكتابنا هذا ما هو إلا مرحلة نقدية متقدمة في مجال نقد الرجال وكيفية قبول الخبر , وإن كان هذا الكتاب قد جاء بعده ما هو أقدر منه على النقد وحسن التفنيد , لكن هذا الكتاب في دائرة التراث والتطور النقدي للحديث يعدُّ مرحلة هامة من مراحله , فالكتاب يدعو طالب العلم إلى النظر إلى الخبر بعين النقد لا بعين التسليم وعدم التفتيش عن صحته مهما كان راويه , ثم يلحق بع ذلك بعدة تراجم هامة لبعض أعلام الحديث.
وإن اختلفنا مع المصنف في عديد من النقاط , وحملنا عليه بقسوة في بعض المواضع حين نردُّ عليه تعصبه , فالرجل نسأل الله تعالى أن يأجره على حسن نيته وكريم قصده , فما قصد إلا نفع الدين , وإن حاد عن جادة الطريق شيئا فهو من أهل الإسلام , بل ومن علمائه المنافحين عنه في وجه أعدائه , رحم الله المصنف ونفع المسلمين بعلمه , اللهم آمين»!!!
ثم بعد هذا راح يعلق على الكتاب مخِّرجًا لأحاديثه , مترجمًا لأعلامه , معترضًا على المؤلف في مرات قليلة .. وكأنه أمام كتابٍ من كتب أهل السنة في الجرح والتعديل!!
ولولا أنه أكثر من النقل عن الشيخ الألباني في تخريجه للأحاديث , ودافع في بعض المواضع عن بعض الأئمة = لما شككت أنه مبتدع مبغض لأهل الحديث , قاصدٌ الطعن فيهم!
لكن جهله بالكتاب وموضوعه , ومؤلفه وهدفه ونحلته , حمله على هذا التصور الفاسد للكتاب , وعلى هذا المنهج الخاطئ في تقديمه وإخراجه ..
فالمصنف في واد .. والمحقق في واد آخر!
المصنف يريد بكتابه الطعن في السنة عن طريق الطعن في نقلتها ومنهجهم في حفظها ونقدها ..
والمحقق يقدِّم الكتاب إلى القراء على أنه عملٌ صالح من مؤلفه قصد به نفع الدين , وأنه مرحلة من أهم مراحل التطور النقدي , شأنه في ذلك شأن ما تلاه وسبقه من كتب الجرح والتعديل!!!
أما قراءة المحقق لنص الكتاب فهي قراءةٌ سقيمةٌ تليق بمن لم يستطع أن يفهم موضوع الكتاب الذي يحققه!
وسأضرب مثالا واحدًا على التحريفات الفاضحة التي يعجُّ بها الكتاب عجًّا ..
في (1/ 251):
«قال يحيى بن معين: سمعت حميدا يعنى الرؤاسي يقول: إنما سمع من أبى عيينة من أبى إسحاق لأن يوسف بن عمر طلبه , فذهب به بنوه إلى يوسف بالخبر , فأحدث على السرح في الطريق , فإنما سمع منه بعد أن أحدث على السرح».
وعلق عليه بقوله: لم أقف على هذا القول والروَّاسى هذا مجهول ... !!
قلت: صواب هذا النص:
«قال يحيى بن معين: سمعت حميدًا - يعنى الرؤاسي - يقول: إنما سمع سفيان بن عيينة من أبي إسحاق لأن يوسف بن عمر طلبه , فذهب به بنوه إلى يوسف بالحيرة , فأحدث على السرج في الطريق , فإنما سمع منه بعد أن أحدث على السرج».
وهو في «تاريخ يحيى بن معين» (3/ 371) برواية الدوري.
¥