فَإِنَّ كلامَ الشَّيخِ الفوزان الأَوَّلَ في الُمطالبةِ بتسجيل صَوْتيٍّ له: مُطَالَبَةٌ مِنْهُ لخصومِه الُمثْبِتِيْنَ مَا نَفَاهُ، وما لا يَعْرِفُهُ بِدَليلِ صِحَّةِ قَوْلِهم وحُجَّتِه، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِه مُحَرَّرًا، أَوْ غَيْرَ مُحَرَّرٍ.
أَمَّا كلامُ الشَّيخِ صالح الفوزان الثَّاني مع خالد العَنْبريّ: فهو في حَالِ كَلامِ المشايخ في الأشرطةِ عند تقرير المسائل الشَّرعيَّة، وكَوْنِ كَثِيرٍ مِنْهَا غَيْرَ مُحَرَّرٍ للارتجال.
فَهُنَا مَسْألتانِ مُخْتلفتانِ:
إحداهما: ثُبُوتُ نِسْبةِ القَوْلِ للعالمِ بِسَمَاعِ صَوْتِه في أشرطتِه.
والثَّانية: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ أقوالِ المشايخ في الأشرطةِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، فَلا تَكْفي وَحْدَهَا دُونَ الرُّجوعِ إلى كتبِهم الُمحَرَّرةِ ونَحْوِهَا.
ونَحْنُ إِنْ وافقنا الشَّيخَ صَالحًا أو خالفناه في هذِه المسألةِ، فَإِنَّ الَمسْألتَيْنِ هَاتَيْنِ مُخْتلفتانِ، وكَلامُهُ الأَوَّلُ كان في الأُولَى، وكلامُه الثَّاني كان في الثَّانية، فلا تَنَاقُضَ ولا تَعَارُضَ.
الوقفة الثَّالثة عشرة
أَجَابَ الحلبيُّ على قَوْلِ الشَّيخِ صالح الفوزان في نَفْيِهِ «الأجوبة العراقيَّة»: (وَلَيْسَ كُلُّ ما في هذه «الأجوبة» أَقُوْلُ به) أَجَابَ بِأَنَّهُ تَأَمَّلَ جَيِّدًا هذا النَّفْيَ في الإجاباتِ المذكورة، عَلَّهُ أَنْ يعرفَ ما يقول الشَّيخُ بِه، وما لا يَقُولُ بِه، فَغَلَبَ على ظَنِّهِ مَسْأَلَتَانِ:
الأولى: العُذْرُ بِالَجهْلِ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِمُكَفِّرٍ.
والثَّانية: نجاةُ مَنْ قال «لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» مُصَدِّقًا بها قَلْبُهُ، ولم يعملْ بجوارحِه مِنَ الُخلُودِ في النَّار.
ثُمَّ بَنَى على ظَنِّهِ هذا: أَنَّ الشَّيخَ لَهُ قَوْلانِ مُخْتلفانِ ـ في المسألتَيْنِ السَّابقتَيْنِ ـ أحدُهما مُوَافِقٌ لِمَا في الإجابات العراقيَّةِ! والآخرُ مُخَالِفٌ لها!
وَاسْتَدَلَّ على ذينك القَوْلَيْنِ بما لا تقومُ به حُجَّةٌ!
وإِنِّي لأَعْجَبُ مِنْ مُكابرةِ الحلبيِّ ومُغَالطتِه وإِصْرارِه على خَطَئِهِ وغَلَطِهِ! كَيْفَ يُثْبِتُ لِصَاحِبِ الشَّأْنِ ما يَنْفِيْهِ ـ هُوَ ـ جَازِمًا عن نَفْسِه؟!
فما نَفَى الشَّيْخُ تَذَكُّرَهُ: حَاوَلَ الحلبيُّ إِثْباتَهُ لَهُ، بِكَوْنِ الشَّيخِ لم يَنْفِ نَفْيًا قَاطِعًا، وإِنَّمَا نَفَى التَّذَكُّرَ فقط! وقد أثبتَهُ الشُّهُودُ بِزَعْمِه!
وما نَفَاهُ الشَّيخُ نَفْيًا قَاطِعًا: حَاوَلَ الحلبيُّ إثباتَهُ لَهُ بِطُرُقٍ أُخْرَى مُلْتَوِيَةٍ مِنْ غَيْرِ طريقِ الشُّهُودِ مُكَابَرَةً!
فلا فَرْقَ عند الحلبيِّ ـ حقيقةً ـ بَيْنَ نَفْيِ الشَّيخِ «للأجوبة العراقيَّة» القاطعِ لحُصُولِها، وبَيْنَ نَفْيِ تَذَكُّرِهَا!
الوقفة الرّابعة عشرة
قال عليٌّ الحلبيُّ: (أَمَّا المَسْألةُ الثَّانية ـ وهي نَجَاةُ الُمسْلِمِ تاركِ عَمَلِ الجوارحِ مِن الُخلُودِ في النَّارِ ـ: فالشَّيخُ نَفْسُه حفظه الله يُوَافِقُ هُنَا ـ بل أَوْسَعَ وأَكْبَرَ! ـ قَوْلَهُ القَدِيْمَ، المُثْبَتَ في كِتَابٍ مَشْهُورٍ لَهُ، لا يَزَالُ يُطْبَعُ بِلا أَيِّ نَكِيْرٍ! ودُونَ أَدْنَى تَغْيِيرٍ!:
ففي كتابِ «البَيَان لأخطاءِ بَعْضِ الكُتّاب» (ص235) لفضيلة الشَّيخِ الفوزان رَدًّا على مَنْ غَلِطَ وخَلَطَ في مَعْنى الإرجاء ـ وما أَكْثَرَهم اليَوْمَ! ـ قَوْلُهُ حفظه الله مُتَعَقِّبًا إِيّاهُ: «وَهَذَا مِنْ جَهْلِه بِمَعْنَى الإرجاءِ، ومَنْ قَالَ بِهِ، فَإِنَّ الإرجاءَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الأعمالِ عَنْ مُسمَّى الإيمانِ، ولَيْسَ هو عقيدةَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّما هُوَ عقيدةُ الَجهْميَّة، وَهُوَ القَوْلُ بِأَنَّ الإيمانَ مُجَرَّدُ المَعْرفةِ بالقَلْبِ، ولو لم يَحْصُلْ عَمَلٌ، أو أَنَّ الإيمانَ هو التَّصْديقُ بالقَلْبِ فقط، كما يَقُوْلُهُ الأشاعرةُ، أو هُوَ التَّصْديقُ بالقَلْبِ مع النُّطْقِ باللِّسانِ، وهذا الأخيرُ قَدْ يَقُوْلُ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وجُمهورُهم على خِلافِه، يَقُولُونَ: «إِنَّ الإيمانَ قَوْلٌ باللِّسانِ، واعتقادٌ بالقَلْبِ، وعَمَلٌ بالَجوَارِحِ، يَزِيْدُ بالطَّاعةِ، ويَنْقُصُ
¥