بالَمعْصيةِ».
فَجَعَلَ ـ حفظه الله ـ هذا مِنْ قَوْلِ «بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ»، وهو أَوْسَعُ (!) مِن كلامهِ الَّذي في «أجوبتِه على الأسئلةِ العراقيَّة» (ص29)، لَمَّا قال عَن عَدَمِ التَّكْفيِر: «هَذَا القَوْلُ لِبَعْضٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ»! فَبِأَيِّ حُكْمَيْهِ نأخُذُ؟!) اهـ كَلامُ الحلبيِّ.
وفي كَلامِهِ هَذَا بَعْضُ دَلائِلِ جَهْلِهِ الُمتواترةِ:
مِنْهَا: قَوْلُهُ (نَجَاةُ الُمسْلمِ تاركِ عَمَلِ الجوارح مِنَ الخلودِ في النَّار)!
فَإِنَّ أَوَّلَ عبارتِه مُنَاقِضٌ لآخرِها! فَإِنْ كان مُسْلِمًا فهو نَاجٍ مِنَ الخلودِ في النَّار بإجماع! وإِنْ كان كافرًا فهو خَالدٌ فيها، وإنَّما النِّزاعُ في صِحَّةِ إسلامِه.
وقَوْلُ الشَّيخِ صالحٍ (وهذا الأخيرُ قد يقول به بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ): هو مِنْ حَيْثُ الانتسابُ العَامُّ، لا مِنْ حَيْثُ الانتسابُ الَخاصُّ، كَمِثْلِ وَصْفِ الأشاعرةِ ونَحْوِهم بِأَنَّهُمْ «سُنَّةٌ» في مُقابل «الشِّيعة»، مع كَوْنِهم مُبْتَدِعَةً، لَيْسُوا مِنْ أهل السُّنَّةِ في الحقيقة، هَذَا وَجْهٌ.
أَمَّا الوَجْهُ الثّاني: فجَوَابُ الشَّيْخِ صالحٍ في كتابِه «التِّبيان»، وجَوَابُه الَمنْسُوبُ كَذِبًا في «الأجوبة العراقيَّة» هُمَا جوابانِ مُخْتلفانِ في الحقيقةِ عند الحلبيِّ، فَلا يَصِحُّ أَنْ يَعْضُدَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ!
فالحلبيُّ فَهِمَ مِنْ جوابِ الشَّيخِ الأَوَّلِ ـ كما في تَتِمَّةِ كَلامِ الحلبيِّ في رَدِّهِ ـ: إِدْخالَ الشَّيخ الأشاعرةَ ومُرْجئةَ الفُقهاءِ في أَهْلِ السُّنَّةِ!
وفَهِمَ الحلبيُّ مِنَ الجواب الثَّاني في «الأجوبة العراقيَّة»: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُخْتلفون في اشتراط العَمَلِ لِصِحَّةِ الإيمان على قَوْلَيْنِ! اختارَ مِنْهُمَا الشَّيخُ صَالِحٌ الاشتراطَ! واختار الشَّيخُ الألبانيُّ عَدَمَهُ!
فإذا كان هذا حَالُ قَوْلَيِ الشَّيخِ في فَهْمِ الحلبيِّ: فلا يَصِحُّ استدلالُهُ بِالأَوَّلِ لِيَعْضُدَ بِهِ الثَّاني!
الوقفة الخامسة عشرة
نَقَلَ الحلبيُّ قَوْلَ الشَّيخِ صالح ـ في جَوَابهِ على خطابي ـ: (وَأَمَّا الشَّيخُ الألبانيُّ رحمه الله: فَمَنْ أرادَ مَعْرِفَةَ قَوْلِه، فَلْيَرْجِعْ إلى كتبِه وأشرطتِه، ولا يعتمدْ على مُجَرَّدِ النِّسبةِ إليه دُونَ ما يُثْبِتُ ذلك عَنْهُ).
ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الحلبيُّ بِقَوْلِهِ مُهَوِّلاً: (كُنْتُ أَتمنَّى على فضيلة الأستاذ الشَّيخِ صالح الفوزان حفظه المولى، أَنْ يَبْتَهِلَ هذه الفُرْصَةَ الثَّمِينةَ، الَّتي قَدْ لا تَتَكَرَّرُ لِيَذُبَّ عن مشايخ أَهْلِ السُّنَّةِ والتَّوحيدِ، ويُعَظِّمَ الثَّنَاءَ عليهم).
وَكَلامُهُ هذا سَفَهٌ مِنْ وجوهٍ:
أحدُها: أَنَّهُ لا داعي لأُمْنِيَاتِ عليٍّ الحلبيِّ وآمالِه، فَلَيْسَ المقامُ مَقَامَ تَقْيِيْمٍ للشَّيخِ الألبانيِّ رحمه الله، أو الذَّبِّ عَنْهُ، وإِنَّما بيانُ ما تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إلى الشَّيخِ الألبانيّ، وما لا تَصِحُّ، وأَنَّ فِيْمَنْ يَنْسِبُ إليه أقوالاً كَاذِبينَ! يَجِبُ التَّثبُّتُ في قَبُولِ أخبارِهم.
الثَّاني: أَنَّ إجابةَ الشَّيخِ صالح الفوزان بِبِضْعَةِ أسطرٍ على خطابي إليه ـ وَهُوَ لا يَعْلَمُ أَيُنْشَرُ أَمْ يُسْتَرُ ـ لَيْسَتْ مِنَ الفُرَصِ الثَّمِينةِ الَمزْعومة! الَّتي قد لا تَتَكَرَّرُ في الذَّبِّ عن الشَّيخِ الألبانيّ!
وهَلْ فُرَصُ الذَّبِّ عن الشَّيخِ الألبانيّ رحمه الله، أَوْ ذِكْرُ محاسنِه قليلةٌ بهذِه الدَّرجةِ، بِحَيْثُ إذا فَاتَتْ هذه الفُرْصَةُ، لم يَجِدِ الَمرْءُ فُرْصَةً أُخْرَى غَيْرَها، أو لم يَكَدْ؟!
الوقفة السَّادسة عشرة
قال الحلبيُّ: (وأَمَّا كُتبُ الشَّيخِ الألبانيّ ـ الَّتي أشار الشَّيخُ الفوزان إلى الرُّجوعِ إليها جزاه الله خَيْرًا ـ: فقد جَمَعْتُ مِنْهَا ما وَقَفْتُ على كلامِه فيها مُنْذُ بضع سنواتٍ في كتابٍ لي، طُبِعَ ثَلاثَ طَبْعاتٍ، والرَّابعةُ جَارٍ طَبْعُهَا، سَمَّيْتُهُ «التَّعريفُ والتَّنْبئةُ، بتَأْصيلات الإمام الألبانيّ في مسائل الإيمان والرَّدّ على الُمرْجئة»).
¥