تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأستاذ محمود شاكر تلقى دراسة عميقة الأثر باللغة الإنجليزية في طفولته وهذه الدراسة كانت وفق النظام الذي أدخله الإنجليزي "دنلوب" على المدارس المصرية (17 مارس 1897) وبهذا النظام انتقل الغزو الثقافي من مرحلة البعثات التي تعتمد على تبشير المبعوثين بالحضارة الغربية إلى مرحلة أبعد منها أثراً هي قولبة التعليم المحلي لإنتاج شريحة محلية مرتبطة ثقافياً بالغزاة ويصف لنا شاكر المرحلتين على التتابع: "كان الغزاة يقنعون من المبعوثين بأن يعودوا إلى بلادهم ببضعة أفكار يرددونها ترديد الببغاوات، تتضمن الإعجاب المزهو ببعض مظاهر الحياة الأوروبية مقروناً بنقد بعض مظاهر الحياة في بلادهم، وبأن يكاشفوا أمتهم بأن ما أعجبوا به هو سر قوة الغزاة وغلبتهم، وأن الذي عندنا هو سر ضعفنا وانهيارنا. وقد وجدت ذلك ظاهراً ممثلاً أحسن تمثيل عند رفاعة الطهطاوي وأشباهه. ولكن لما جاء عهد "دنلوب" كان أمر المبعوثين وحده لا يكفي، وأصبح الأمر محتاجاً إلى ما هو أكبر وأوسع انتشاراً، فكان الرأي أن تنشأ أجيال متعاقبة من "تلاميذ المدارس" في البلاد، يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بهذا التحول، عن طريق تفريغهم تفريغاً كاملاً من ماضيهم كله، مع هتك أكثر العلائق التي تربطهم بهذا الماضي اجتماعياً وثقافياً ولغوياً، ومع ملء هذا الفراغ بالعلوم والآداب والفنون، ولكنها فنونهم هم، وآدابهم هم، وتاريخهم هم، ولغاتهم هم، أعني الغزاة" (مقدمة "المتنبي"-ص29).

وبحسب تحليل محمود شاكر فإن "هذا الجيل المفرغ من ماضيه" الذي ينتمي هو إليه قد تم ملء فراغ ماضيه بماض غامض بائد ليزاحم ماضيه الحي الإسلامي فظهرت الدعوات إلى الفرعونية والفينيقية وأيضاً: "في ظل هذا التفريغ المتواصل، وهذا التمزيق للعلائق، وهذه الكثرة التي تخرج مفرّغة أو شبه مفرّغة إلى "البعثات"، وهذا التحوّل الاجتماعي والثقافي والسياسي المضطرب، وهذا التغليب المتعمّد للثقافة الغازية، بلا مقابل في النفوس من ثقافة ماضية حيّة حياة ما، وباقية على تماسكها وتكاملها، في ظل هذا كله انتعشت الحركة الأدبية والثقافية انتعاشاً غير واضح المعالم، ولكنه يقوم على أصل واحد في جوهره، هو ملء الفراغ بما يناسب آداباً وفنوناً غازية كانت قد ملأت بعض هذا الفراغ، فهي تحدث في النفوس تطلعاً إلى زاد جديد معها" (مقدمة "المتنبي"-ص30).

وهكذا سطا الكتاب على المسرحيات الأوروبية و"مصّروها" وبإمكان القارئ أن يجد وصفاً طريفاً لهذا التمصير في كتاب توفيق الحكيم "سجن العمر" لأنه هو أيضاً بدأ كتابته المسرحية "بتمصير" مسرحيات لكتّاب فرنسيين مغمورين واقرؤوا إن شئتم الوصف التالي "للتمصير": "ما يصلح من المسرحيات الأجنبية لحياتنا العصرية أجري تمصيره، وما يصلح للعهود التاريخية جعل في عهد العرب أو المماليك .. وتخصص مسرح الأزبكية في هذا اللون ( .. ) كان علينا في مجتمعنا الحجابي وقتئذ أن نغيّر في العلاقات الاجتماعية الموجودة بين الرجال والنساء في مجتمع سفوري .. كنا إذا أردنا اقتباس مسرحية أجنبية يلتقي فيها رجل بامرأة وقعنا في حيص بيص .. كيف نضع فوق خشبة المسرح المصري وقتئذ رجلاً وامرأة وجهاً لوجه لا تربطهما صلة رحم .. كان من المستحيل أن نجعل زوجة فلان "تنكشف" على زوج علانة .. كنا نتحايل على ذلك بشتى الطرق .. فنجعل هذه المرأة ابنة عم ذلك الرجل أو أنه هو ابن خالتها وهكذا .. " ("سجن العمر"، مكتبة الآداب، القاهرة، بدون تاريخ، ص198).

وكذلك كانت السمة العامة للكتابات في الفلسفة أو الاجتماع أو السياسة سمة تلخيص أو سطو (أقول: يصح هذا أيضاً على عصرنا وكمثال أدعو القارئ إلى رؤية المناهج الجامعية لفروع الفلسفة أو علم النفس أو علم الاجتماع التي هي تلخيصات لا فائدة منها ولا إبداع فيها) وكان السطو في القصة أيضاً منهجاً للكتاب (وقد "ضبط" كبار الكتاب مثل المازني وهم يسطون. وبلغ الأمر بالمازني مثلاً أن يسطو على رواية كان قد ترجمها سابقاً هو نفسه ونشرها!).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير