تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثارت قضية القديم والجديد في الصحف وظهر في النقاش ميل مزدوج كما يقول شاكر: "ميل ظاهر إلى رفض "القديم" والاستهانة به دون أن يكون الرافض ملماً إلماماً ما بحقيقة هذا "القديم"، وميل سافر إلى الغلو في شأن "الجديد" دون أن يكون صاحبه متميزاً في نفسه تميزاً صحيحاً بأنه "جدد" تجديداً نابعاً من نفسه، وصادراً عن ثقافة متكاملة متماسكة" (مقدمة "المتنبي"-ص31)

-في خضمّ هذا التفريغ "كان هناك جانب راكد مختنق، لم يفرغ هذا التفريغ، ولكن ضرب عليه حصار مفزع وبيل مهين. هذا الجانب كان هو الوارث للماضي المتكامل المتماسك، ولكنه كان يزداد على مر الأيام تخلخلاً وتفككاً وحيرة وانطواء. يمثل هذا الجانب جمهور المتعلمين المنتسبين إلى الأزهر ودار العلوم وأشباههما. كان أكبر هم هذا الجانب، في هذا اليم المتلاطم من حوله، هو محاولة المحافظة على الماضي محافظة ما ولكن قبضته كانت تسترخي شيئاً فشيئاً تحت الحصار، وتحت القذائف المدمرة التي يرمى بها، والتي تزلزل نفوس أبنائه من قواعدها" (مقدمة "المتنبي"-ص32)

لأجل صدم هؤلاء بالثقافة الغازية وتعريفهم "بما عندها من نظر ورأي في آداب العربية وعلومها وفنونها وتاريخها ودينها أيضاً" ( .. ) انبرى أناس إلى نشر أفكار الاستشراق .. "المرتبط كل الارتباط بالاستعمار والتبشير، أي بتدمير الأمم المستضعفة وتحطيم ثقافتها وآثارها وماضيها كله" (مقدمة "المتنبي"-ص32).

ويرى شاكر أن "الجيل المفرغ" هو "جيل تلخيص وسطو"، "سطو بين أو خفي على أعمال ناس آخرين يكتبون في لغاتهم بألسنتهم، ويعبرون عن أنفسهم وعن حضارتهم وعن ثقافتهم لا عن أنفسنا أو حضارتنا أو ثقافتنا نحن" (مقدمة "المتنبي"-ص39).

ويتوجه شاكر، لأسباب ما، توجهاً معاكساً لتوجه جيله، ولعل هذا التوجه يتضح في موقفه من الاستشراق والمستشرقين فخلافاً لمثقفي جيله كان يرى في المستشرقين قوماً "جمهرتهم غير قادرة أصلاً على تذوق الآداب تذوقاً يجعلها حية في نفوسهم قبل أن يكتبوا، وهم أيضاً مسلوبوا القدرة على أن يبلغوا في لسانهم الذي ارتضعوه مع لبان أمهاتهم مبلغاً من التذوق، يعينهم على التعبير عنه تعبيراً يتيح لأحدهم أن يكون له شأن يذكر في آداب لسانه ولهذا العجز آثروا أن يكون لهم ذكر بالكتابة في شأن لغات أخرى يجهلها أقوامهم" (مقدمة "المتنبي"-ص17).

وهو ينقل ما قاله لأحمد تيمور معلقاً على مقاله مرجليوث "أنا بلا شك أعرف من الإنجليزية فوق ما يعرفه هذا الأعجم من العربية أضعافاً مضاعفة، بل فوق ما يمكن أن يعرفه منها إلى أن يبلغ أرذل العمر، وأستطيع أن أتلعّب بنشأة الشعر الإنجليزي منذ شوسر إلى يومنا هذا تلعّباً هو أفضل في العقل من كل ما يدخل في طاقته أن يكتبه عن الشعر العربي، ولكن ليس عندي من وقاحة التهجم وصفاقة الوجه، ما يسوّل لي أن أخط حرفاً واحداً عن نشأة الشعر الإنجليزي. ولكن صروف الدهر التي ترفع قوماً وتخفض آخرين، قد أنزلت بنا وبلغتنا وبأدبنا، ما يبيح لمثل هذا المسكين وأشباهه من المستشرقين أن يتكلموا في شعرنا وأدبنا وتاريخنا وديننا، وأن يجدوا فينا من يستمع إليهم، وأن يجدوا أيضاً من يختارهم أعضاء في بعض مجامع اللغة العربية!! " (مقدمة المتنبي-ص17)

-وفي الجامعة بدأ شاكر يستمع إلى محاضرات د. طه حسين عن الشعر الجاهلي فرأى أنها سرقة مفضوحة من مرجليوث فأذاع ذلك بين الطلاب ثم تصدى لحسين في قاعة المحاضرات وأعرب له عن رأيه في أن الشعر الجاهلي عند قراءته قراءة "تذوقية" يتميّز عن الشعرين الأموي والعباسي وأن هذه القراءة يجب أن تسبق الحكم بصحة أو عدم صحة الشعر الجاهلي، وشكك في صحة ما يقوله د. طه حسين عن أنه يطبق منهج ديكارت في الشك إلى آخر هذا الخلاف الذي لا يهمنا هنا ولكن الواضح أنه أثر في شاكر كما يقول ودفعه إلى ترك الجامعة والهجرة من مصر في منتصف عام 1928 إلى الجزيرة العربية حيث ظل سنتين ثم عاد إلى مصر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير