تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهو رؤية للظاهرة الاستعمارية لا نكاد نجدها في جيل محمود شاكر من مثقفي الجامعة المصرية-فقد كانت مواقفهم تتراوح بين دعوة صريحة لاستمرار الاستعمار-لطفي السيد-وبين دعوة للالتحاق بالغرب ونبذ الشرق-طه حسين وسلامة موسى-ورؤية لبرالية تتوهم أن العلاقة مع الغرب علاقة ندية أو يمكن أن تصبح ندية بتغيير بسيط، وهذا ما نجده بوضوح في كتابات أحمد أمين وفي الكتابات "النظرية" لتوفيق الحكيم (و"يتمتع" هذا الأخير بسطحية خارقة تجعلنا نعجب ممن يعده كاتباً كبيراً بل مفكراً أيضاً .. ومنهم اليساريون الذين اهتموا بالحوار معه في مطلع السبعينات)

وعلى نقيض هذه اللبرالية التي كانت موضوعياً أو ذاتياً ترسخ النظام الاجتماعي السياسي التابع فإن شاكراً أظهر رؤية صائبة للظاهرة الاستعمارية بأبعادها التي غطت عليها كتابات ما يسمى "بعصر النهضة". وحتى في المرحلة اللاحقة، مرحلة الحركات الوطنية المعادية للاستعمار، فإن الطبيعة التبعية للنهضويين لم يتم التركيز عليها فقد ساد الوهم بأن النهضويين كانوا يريدون التصدي للاستعمار الغربي عبر تحديث المجتمع ولم تتم رؤية العلاقة الحتمية بين استيراد ثقافة الغرب والتبعية له (كان مفكر قديم هو ابن خلدون أوعى حين قال"إن التقليد من علامات الاستيلاء! ")

يستشهد شاكر برأي"إليوت" موافقاً عليه أن "ثقافة الشعب، ودين الشعب، مظهران مختلفان لشيء واحد لأن الثقافة في جوهرها تجسيد لدين الشعب، وأن السير إلى الإيمان الديني عن طريق الاجتذاب الثقافي ظاهرة طبيعية مقبولة" ("أباطيل .. "-ص217)

"الاستعمار" و "التبشير" و "الاستشراق" ثلاثة أسماء لحقيقة واحدة، يقول شاكر، وهو يهتم بظاهرة "التبشير" ويفهمها فهماً أعم من مجرد قيام مجموعة من القسس بالدعوة إلى دينهم ونشر عقائده، وهو بهذا المعنى قليل التأثير في العالم الإسلامي إذ كان تحوّل المسلمين إلى المسيحية شيئاً نادراً (وإن كان نجاح "التبشير" أكبر في صفوف المسيحيين العرب، وهذه الحقيقة الهامة تغيب عن بال "الإسلاميين" في عصرنا بسبب فهمهم ضيق الأفق للصراع مع الاستعمار الغربي كصراع مع "المسيحية" مما يجعلهم لا يرون التأثير الثقافي الغربي في المسيحيين العرب وتحويلهم عن عقائدهم "الشرقية" المتميزة تاريخياً، وهذا التأثير جعل بعض المثقفين من تلاميذ الإرساليات دعاة للاستعمار الثقافي، وهذه العملية تهم المسيحيين كما تهم المسلمين. وقد بلغ ضيق الأفق باليساريين عندنا أنهم ناصروا التيارات المناصرة للإنجليز في الكنيسة القبطية ضد البابا القطبي وهذا الصراع مستمر إلى الآن وتلعب به الأيدي الصهيونية التي لا يعجبها الموقف الوطني للبابا شنودة من الكيان الصهيوني وغيره).

شاكر يهتم بما يسميه "التبشير الثقافي" وهو القضاء على الإسلام بنشر الثقافة الغربية ونمط الحياة الغربي وفصل المسلمين عن تاريخهم وماضيهم.

وبند أساسي في هذا التبشير هو القضاء على اللغة العربية إما بتدريس اللغة الأجنبية وترسيخها كلغة تعليم أو بالدعوة إلى العامية التي لم تزل تتردد بين عرب معجبين بالغرب "الطهطاوي" إلى مبشرين ثقافيين مثل "سبيلا" و "ويلككس" إلى سلامة موسى ولويس عوض (وبإمكان القارئ أن يعد أسماء أخرى في بلاد أخرى).

ليس "التبشير" بمفهوم شاكر إذن دعوة للدين المسيحي: "إن توهم "التبشير" دعوة للدين المسيحي أمر باطل، بل هو أحد أدوات الاستعمار الغربي في آسية وإفريقية، ولا يهمه من الدين إلا الغلبة بأي أسلوب كان، حتى يكفل سيادة الحضارة الغربية على حضارات الأمم، ولا سيما أكبر حضارة في عالمنا نحن، وهي الحضارة الإسلامية" ("أباطيل .. "-ص253).

على أن شاكراً لا يبدو منسجماً في هذا الفهم فهو يعود إلى فكرة نشر المسيحية كهدف بحد ذاته للغرب، أي بغض النظر عن الغلبة والسيادة. وكاتب هذه السطور لا يرى تبرئة الغرب من التعصب الديني الموروث تجاه الإسلام كما يفعل مثقفون كثيرون عندنا (مثلاً جلال العظم) ولكنه لا يرى حصر الموضوع في الصراع الديني كما هي وجهة النظر السائدة عند الإسلاميين، والأحسن فهم الصراع في تعقيداته التي تتضمن عوامل تاريخية ودينية واقتصادية واستراتيجية، وفهم الممارسات السياسية الغربية لا يمكن بغير رؤية هذه العوامل كلها (على الأقل إذا أردنا أن نفهم كيف دعم الغرب لفترة طويلة حركات سياسية إسلامية بسبب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير