صدقني وقد يكون معي من يصدقني أن هذا لايزيد صاحبه أوالقارئ له إلا بعدا عن الحق الذي قد يكون أقرب إليه من مارن أنفه، والذي يستطيع أن يصل إليه بعبارة أسهل وأشفى وأنقى وأتقى من هذه المصطلحات التي هي أليق بأن تصب في قالب مختبرات الكيماء أوالفيزياء أوالجولوجيا ليصاغ منها مواد لرقاقات الحاسوب، أومضادات تتسلط على صعاليكه التي آذت الكثير من تلكم الأجهزة، وفي أحسن الأحوال مجسمات هندسية وآلات جيولوجية لأهل العلم بتقويم البلدان.
فمالك ـ هدانا الله وإياك للحق ـ مالك ولهذا الشطط في العبارة الذي لا أستطيع أن أحكم على كل عبارة منها لنفرتها عن القلب والفكر والسمع، وغربتها على الفهم القرآني والصفاء الإيماني الذي هو أشد صفاء من الكوكب الدري في كبد السماء.
لقد كان الأصمعي رحمه الله يسمع القصيدة فيعجبه سبكها ورصفها ولكن لفقهدها ماء الحياة يجري بين حروفها يشبهها بالطيلسان الطبري ـ لجودة حياكته وقلة بهائه ـ فكيف بمثل هذه التراكيب التي ليست من لغة الكتاب، وإن كانت من نفس قوم شقوا في حياتهم كما هي شقاوتهم في أخراهم من باطنية ونحوهم.
فليس كلام الله محل رمزية العناوين وتعمية وتفخيم المضامين، واللعب بالكلام والأحاجي واللغيزات، حتى يكون الكلام كنافقاء الجربوع له ظهر وباطن، تعالى الله وتعالت صفاته.
لقد آثرت المرور والرد بالإجمال، مع أن هناك أحرفا مرصوصة أراها قد أينعت وشبت عن الطوق وحان قطافها وإتلافها قبل أن تفسد أخواتها، لكن لحسن الظن بالكاتب وسؤ الظن بفهمي، فلعلي قد فقدت شيئا من عربيتي بسبب كثرة هذه الكتابات التغريبية العلمية التجريبية التي ليست من قبيل الكلام الذي يجب أن يتعامل مع كتاب الله به، أقول لعل لكثرتها دورا في تشتيت الذهن وفقد الحس اللغوي والغيرة القرآنية.
مع احترامي الشديد مرة أخرى للحق الذي بين أسطرها على رأسه كلام الله العظيم، فلي رجاء شديد أن تعلم أني لست إلا مناصحا عن مثل هذه المشارب التي قد أثرت على فكر كثير من حملة الأقلام وأرباب اللسان، حتى غدا يؤلف بعضهم الكتاب ربما لايعلم مامراده منه سوى التغريب والتعمية على الفهم بالترميز الذي قد لايفقهه هو فضلا عن القارئ.
وإنك لتطالع لأحدهم ديوان شعر فتود أن تظفر منه ولو ببيت واحد تفهمه وتسر به وتتمثل فلا تستطيع، حتى لربما سوف لك شيطان شعرك! بأن تكتب ككتابه هذا، فلعله يدر الدراهم قبل در الهم.
فما أسهله! حتى لم يفقه سهولة إلا تفاهته وجمجمته وإن استطال تقعر شقشقته، ويعلم الله أني لوشئت أن أوألف كل يوم ديونا كهذائهم لفعلت، لكن بحمد الله مازال لدي شئ من عربيتي وذائقتي فالله يحفظها لي ويزيدني بها ثباتا وحبا وكل محب لها، فإنما هي دين.
واسمع مني، وأنا أدعوك وأدعو القارئ الكريم أن يتكئ على أريكته ويمد لهذا الكلام (ساقيه)!.
جرح غار من الزمان على تفاحة الأيام
هذا هو الربيع يقطف رمان الحياة
على جدران من الماء في قاع النار
زمن بح صوته ينادي (يا نجوم السماء)!
تولى ثم ولى بنوه وما سكن الشام
هل لك بقبلة على خد كتاب من ورق النعام
لاتقولي قبس من النار بل هو الماء الزلال
عصفور صغير يتدلى من نافذة الأحلام
ويأخذ بيد الزمان ويكسر الأغلال
تنهد (بلومد ساقي وضحي لي)!
هاهي خبزتي ورغيفي
لقد اكتفيت من الزمان بلبس النعال
ها أنا أكتب ويكتب كل قاطف أزهار
قم فخذ بيد جمال صام في الرمضاء
صيف خريف شتاء لاتكتب على الجدران
واكتب العنوان فوق السماء
فهذا زمن
(الاتصال بالسماء)!
إنا لله وإنا إليه راجعون.
هل وجدت مايغريك في مثل هذه الكلمات العربية المبنى؟ لا أظن، مع أنها كتبت بأحرف عربيه وعلى مثلها يتهالك مبغض أهل العربية، أدري لماذا يمجها السمع ويغض عنها الطرف، لأنها افتقدت رو ح العربية وتراكيبها ولبها ومعناها، فهكذا يكون الجسد بلاروح، فكيف لو تطالع زبد القوم، لرأيت غثاء له رائحة أنكى من رائحة الثوم، وأنا أقول هذا لحسن الظن بكم وبمعاهدكم التي ثقفتكم وخرجتكم ـ فالديرة ـ في كل مكان وغالبا بمعناها المصطلحي الدارج شمالا أو جنوبا شرقا وغربا لازالت من أبعد الأماكن عن هذه الخزعبلات والترهات، فماذا أصابك رحمك الله، وهلا استرقيت من هذا الداء الذي أراه يسري لقلمك شعرت به أم لم تشعر.
¥