تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن ما تكتبه في جملته ـ أعني كهذا المقال والاتصال بالسماء فهما ما أمكنني تتبعه ـ لا يعدو أن يكون كهذه الفقاعات النتنة التي تقذف بها تلكم المطابع من دواوين تفسد الطبع قبل الأخلاق والقيم، ولعلك من المبغضين لها إن شاء الله، إذا أخي صدقني ما هاهنا إلا كما هناك على أحسن الأحول وأقربها منزعا لحسن الظن بشخصكم.

ولست بهذا أقارن بين كلامك وكلامهم هيهات، لكن قلبي من كلامك أشد ارتجافا ونفورا، ذاك أن كلامهم قد علمنا بطلانه فاسترحنا من تكلف الرد عليه إذ هو ساقط مرذول، وفي سياقه مايدعو العاقل إلى تخطيه ونسيانه، بل في ذكر أسماء أربابه التي أصبحت علوانات على فساد القيم ومحاربة الدين مايردع من مطالعتها فضلا عن اقتنائها والنظر فيها والتى لا ثمن لها ولاقيمة في سوق العربية والفكر والعلم بوجه.

إنما مثل كتابكم هذا فيه حق وباطل وفيه صعود وهبوط وفيه مايفهمه القارئ ومالاتفهمه أنت، حتى انقلبت القوس ركوه، وأصبح الفكر منه في بلوة، ولقرآة مثله للقلب قسوة، وكنت أقرأ فيه غدوة، حتى تمنيت أني أخذت غفوة.

وفي الختام فقد آثرت أن يكون ردي إجمالا لاتفصيل فيه، حتى لايغتر بباطله مغتر، أو تسوف نفس غرير على العلم لتسور مثل هذا السبيل في الكتابة التي ليست إلا من طرق الباطنية والرمزية بحيث لاتخفى على عاقل إن شاء الله، وقد أحسنا الظن بصاحبنا، وإن كنا أقذعنا له في القول، فما أصدق النعما ن حيث يقول:

ومن دعى الناس إلى ذمه = ذموه بالحق وبالباطل

فإن كان هذا خطأ مني لفهم أسلوبه الكتابي، مع صحة معتقده الذي لا يعلمه إلا الله، والذي بعض رموز كتابته تدل على ضده، فليعذرنا وليتحمل جفوتنا وليتذكر ما أثر عن العرب: (يداك أوكتا وفوك نفخ)، ونحن نعتذر إليه عن جرح شخصه، مع عدم احترامي لما كتبت يده، وليكن في هذا مدعاة له أن يجتهد في تتبع أسلوب العلماء في الكتابة ويأخذ بغرزهم، ولو كان هناك فتحا أدبيا لشددنا على يده وباركنا طريقه وكنا أول السائرين على أثره، لكن هيهات، فإنما هو بخر الفلسفة والباطنية أعز الله القارئ الكريم.

وإن كان غير هذا فنكله إلى الله الذي يعلم جليات الأمور وخفيها، وننصحه بأن يتقي الله وأن لا يدس السم في العسل، ويعلم بأن مشتاره لايجهل أين كيلانه، ويفرق بين أنواعه ويعلم ناصحه من فاسده.

كتبت ما كتبت أحسب أني أصبت، فإن كان هذا فالحمد لله وحده، وإن كنت قد أخطأت فليبين لي حر كريم مواطن زللي أكن له أول الشاكرين، وأسارع في تعديل ما أخطأت به في حق مقال صاحبنا، فما كتبت إلا غيرة لكتاب الله ثم للعلم والعربية، وإن للحفيظة لسورة تذهب الحلم عن العلم، فنعوذ بالله من عجلة في غير محلها كما نعوذبه من تريث في أمر كان العجلة منه في حلها.

*ولي وقفة قبل الختام ـ كلمة راس ـ بيني وبين ولد الديرة لايشركنا في ذلك ثالث:

أقول لك ياصاحبي ودع هذا الكلام بيني وبينك، كم يطربني اسمك ـ الديرة ـ ويهز خافقي ويذكرني الحنين للماضي وأيامها بربيعها وشتائها وضريبها القاسي، ألاتذكر تلك الوجوه الصبوحة التي خط الشيب والدهر فيها خطط، والتي ماعرفت مشربا لدينها غيرهدي نبيها صلى الله عليه وسلم، ألا تذكرتلك المآذن التي ترتفع فيها الأصوات الرخيمة من أباء قد شارفت أعمارهم على القرن من الزمان، وأحدهم يمد صوته (الله أكبر) يهتز لها القلب وتبقى حديثا في شفاه الموحدين، ويعلم الله مازال جرسها في أذني ماحييت، ألأ تذكر نسيم الصباح وشجر العسال وعناكيد الربيع، وإن نسيت فلن أنسى حبيبات النيم وطعمه المز، ألاتذكر رائحة الغنم وهي تساق في اليوم الشاتي الذي تلتصق ذرات هتانه بخد الأرض، وكل راع يسارع أن يستفرد ببهمه وهم يرددون في صوت كأني أسمعه الآن فرق فرق فرق فرق.

فياليتنا لم نكبر ولم تكبر البهم.

فبسم تلك الأيام أدعوك وأناشدك أن تتجرد للحق وأن تجرد من نفسك خصما لها، وأن تعلم بأن الكتابة في علوم الشرع دين لا تحل إلا لمن عب من مصادره الصافية وارتوى، ولا يغرنك كثرة الخبث (فما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) ولا يستهوينك فكر جديد وإن نعق به الناعقون، فما الدين إلا ماغرزه ورسمه الأولون.

أراني الله منك ما يسر قلبي ويبهج خاطري وخاطر كل محب للحق، وإني لمنتظر منك انتظار من عظم أمله في الله بأن تعيد قراءة أفكارك وكلامك، وتنظر في كلام السلف، وتعلم بأن كلام الله لا يمكن فهمه أو السير في علمه إلا على نهج الأمة الأمية العربية، ولا يقبل بحال من الأحوال الاجتهادات الفلسفية أو التجريبية.

ويعلم الله لوددت أن الحق معك ثم أتبعك ولا أجد في ذلك غضاضة، لكن وعزة العزيز في علاه إنك على خطأ في القول وإن أحسنا بك الظن فليس أحد بالمعصوم.

محب الديرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير