بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه, وهم على خلاف ذلك.
[5] وأما قوله تعالى: ((ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)) المائدة 66, فحق كما ذكرناه قبل, ولا سبيل لهم إلى إقامة التوراة والإنجيل المنزلين بعد تبديلهما إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل حقاً لإيمانهم بالمنزل فيهما , وجحدهم ما لم ينزل فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً.
[6] وأما قوله تعالى ((يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم)) النساء 47. فنعم, هذا عموم قام البرهان على أنه مخصوص, وأنه تعالى إنما أراد مصدقاً لما معكم من الحق لا يمكن غير هذا, لأننا بالضرورة ندري أن معهم حقاً وباطلاً, ولا يجوز تصديق الباطل أوالحكم به ألبتة, فصح أنه إنما أنزله تعالى مصدقاً لما معهم من الحق.
[7] وأما قوله تعالى ((وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)) المائدة 43.
فإنما هو على الاستخفاف بهم والتوبيخ لهم, كقول القائل لآخر: أنا أعلم منك ثم يأتيه ثانية فيسأله فيقول المسؤول كيف تسأل وأنت أعلم مني؟ , وقد قلنا إن الله تعالى أبقى في التوراة والإنجيل حقاً ليكون حجة عليهم وزائداً في خزيهم, وبالله تعالى التوفيق, فبطل تعلقهم بشيءٍ مما ذكرنا والحمد لله رب العالمين.
[الرد على بعض المسلمين من نفاة وقوع التحريف]
قال أبو محمد: وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون بجهلهم القول بأن التوراة والإنجيل اللذين بأيدي اليهود والنصارى محرفان, وإنما حملهم على هذا قلة اهتبالهم بنصوص القرآن والسنن, أترى هؤلاء ما سمعوا قول الله تعالى ((يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)) آل عمران 71, وقوله تعالى: ((وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)) البقرة: 146. وقوله تعالى: ((وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)) آل عمران 78,
وقوله تعالى ((يحرفون الكلم عن مواضعه)) المائدة 13, ومثل هذا في القرآن كثير جداً. ونقول لمن قال من المسلمين " إن نقلهم نقل تواتر يوجب العلم وتقوم به الحجة ", لاشك في أنهم لا يختلفون في أن ما نقلوه من ذلك عن موسى وعيسى عليهما السلام لا ذكر فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم أصلاً, ولا إنذاراً بنبوته, فإن صدقهم هؤلاء الغافلون في بعض نقلهم, فواجب أن يصدقوهم في سائره, أحبوا أم كرهوا, وإن كذبوهم في بعض نقلهم فواجب أن يكذبوهم في سائره أحبوا أم كرهوا, وإن كذبوهم في بعض وصدقوهم في بعض فقد تناقضوا, وظهرت مكابرتهم, ومن الباطل أن يكون نقل واحدٌ جاء مجيئاً واحداً بعضه حق وبعضه باطل. وما ندري كيف يستسهل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل, وهو يسمع كلام الله عز وجل ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار)) سورة الفتح 29. وليس شيءٌ من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى مما يدعون أنه التوراة والإنجيل, فلابد لهؤلاء الجهال من تصديق ربهم عز وجل أن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل, فيرجعون إلى الحق, أو يكذبوا ربهم ويصدقوا اليهود والنصارى, فيلحقوا بهم, ويكون السؤال عليهم كلهم حينئذ واحداً فيما أوضحناه من تبديل الكتابين, ومما أوردناه مما فيهما من الكذب المشاهد عياناً مما لم يأت نص بأنهم بدلوهما, لعلمنا بتبديلهما يقيناً, كما نعلم ما نشاهده بحواسنا مما لا نص فيه , فكيف وقد اجتمعت المشاهدة والنص.
حدثنا أبو سعيد الجعفري , حدثنا أبو بكر بن الأدفوي محمد بن علي المصري , ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس , ثنا أحمد بن شعيب, عن محمد بن المثني, عن عثمان بن عمر , ثنا علي- هو ابن المبارك- , ثنا يحيى – هو بن أبي كثير-, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال:" كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد".
قال أبو محمد هذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين. ما نزل القرآن والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتصديقه صدقاه , وما نزل النص بتكذيبه, أو ظهر كذبه كذبنا به , وما لم ينزل نص بتصديقه أو بتكذيبه وأمكن أن يكون حقاً أو كذباً, لم نصدقهم ولم نكذبهم, وقلنا ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقوله كما قلنا في نبوة من لم يأتنا باسمه نص, والحمد لله رب العالمين.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد, ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي, ثنا الفربري, ثنا البخاري محمد بن إسماعيل , ثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف , أنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, قال, قال ابن عباس:" كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ".
قال أبو محمد: هذا أصح إسناد عن ابن عباس رضي الله عنه, وهو نفس قولنا, وماله في ذلك من الصحابة مخالف , وقد روينا أيضاً أن عمر رضي الله عنه أنه أتاه كعب الحبر بسفر وقال له هذه التوراة أفأقرؤها؟ فقال له عمر بن الخطاب: " إن كنت تعلم أنها التي أنزلت على موسى, فاقرأها آناء الليل والنهار". فهذا عمر لم يحققها.
¥