تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على أن المؤلفات الأصولية الحديثة اعتمدت على المصادر القديمة وبخاصة ما ألف منها في عصور المتون والشروح والحواشيي. وقد غلب على هذه المؤلفات منطق جدلي وإسراف في تتبع الآراء الخلافية مما نأى بها عن جوهر الدراسات الأصولية وأغراضها، وأدخل في هذه الدراسات ما ليس منها. وقد ألقت هذه المؤلفات بظلالها على ما كتب المحدثون، وإن حاول هؤلاء أن يخلصوا علم الأصول مما شابه في تلك العصور ـ عصور الضعف والجمود.

وإذا كانت الدراسات الحديثة لا تتفاوت فيما بينها من حيث المضمون، حيث إنها تتعرض للقضايا ذاتها، فإن ظاهرة خطيرة جدت في العقود الثلاثة الأخيرة أو قريباً منها. وتتمثل هذه الظاهرة في اعتماد هذه الدراسات لا على المؤلفات الأصولية القديمة ولكن على ما ألفه المحدثون، مما أضفى على ما كتب في هذه العقود لوناً من التدليس، حيث تعزى النصوص والآراء إلى مصادر قديمة، وهي في الواقع منقولة عن مؤلفات حديثة. هذا فضلاً عن هبوط المستوى العلمي لهذا النوع من الكتابات، لأن الذين كتبوا حاولوا أن يواروا تعويلهم على ما ألفه الجيل السابق عليهم، بتقديم أو تأخير في القضايا وتغيير أو تحوير في العبارات، فكان ما كتبوه دون ما ألفه علماء ذلك الجيل من أمثال المحلاوي والخضري وأحمد إبراهيم وأبي زهرة وغيرهم.

والخلاصة أن جهد المحدثين في التأليف الأصولي لا يعدو أن يكون صياغة حديثة لأفكار قديمة دون تجديد أو تطوير ذي بال، مما حدا ببعض المفكرين إلى الدعوى إلى تجديد علم الأصول حتى يتسنى للاجتهاد اليوم أن يواجه مشكلات الحياة بمنهج علمي يكفل لهذا الاجتهاد الفاعلية والواقعية والتطوير والتغيير.

الدعوة إلى تجديد علم الأصول:

إذا كانت الدراسات الأصولية الحديثة ليست إلا إعادة عرض لما كتبه الأقدمون، فإنها من ثم لا تضيف جديداً إلى علم الأصول من حيث المضمون. وإذا كانت الدعوة إلى تطبيق الشريعة لا سبيل إليها إلا عن طريق الاجتهاد الذي يقدم الحلول العملية لكل ما يواجه الأمة من مشكلات، فإن هذا الاجتهاد في حاجة -لكي ينهض برسالته- إلى منهج أصولي جديد لا يعرف الاجترار أو التقليد، وإنما يؤسس على دعائم في الفقه الدقيق بمصادر الأحكام والمقاصد العامة للتشريع، فضلاً عن الربط بين قضايا علم الأصول وأصول القانون، وكذلك بين قضايا هذا العلم ومناهج البحث بوجه عام.

إن مهمة الفقه الإسلامي تتمثل في معالجة واقع27 قائم لا فرض واقع آخر غابر باسم قواعد وأصول ترجع إلى أكثر من عشرة قرون. ولذا كان التجديد في منهج البحث الفقهي ضرورة الواقع الذي يعيشه الناس، حتى يكون تعامل الفقه مع هذا الواقع تعاملاً حياً مؤثراً، يحقق الحل الإسلامي بصورة عملية، لكي لا يظل هذا الحل فكراً نظرياً مثالياً، أو أملاً حلواً يداعب خيال الدعاة والمصلحين.

ولا يعني هذا التجديد هدماً لجهود السابقين، فما يقول بهذا أحد. وإنما يعني التجديد محاولة تطوير لمنهج الاستنباط على نحو لا يخرج على القطعيات بحال من الأحوال، وإنما يرى في الظنيات أو بعضها رأياً يكفل للاجتهاد قيادة الأمة في مختلف المجالات، ونبذ السلبية أو النزعة التراثية في معالجة المشكلات في عصر تختلف وقائعه وصراعاته الاجتماعية والفكرية كل الاختلاف عما كان من قبل.

ومن ناحية أخرى، ليس التجديد تنكراً لفضل علماء الأصول وما بذلوه من جهود مضنية في خدمة الشريعة والعناية بعلومها والمحافظة عليها، وليس في ذلك بخس لحقهم في ذلك، فلولا أن الله قيضهم للقيام بهذا العمل الجليل ولحرمنا هذه الثروة العلمية التي نحن الآن في أشد الحاجة إليها.

وتتمثل حاجتنا إلى هذه الثروة العلمية الآن في أننا يجب ألا نقف بها عند القدر الذي وصل إليه السلف، وإنما ينبغي أن نحسن استثمارها وتنميتها، ونعيد تقديمها في صورة جديدة حتى تظل مصدراً غنياً بالمفاهيم والمبادئ التي تكفل للاجتهاد القدرة على التعبير العملي عن مهمة الدين في الحياة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير