تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النحو الثالث: قياس ما لم يرد حكمه في أقوال الشارع على حكم ما ورد حكمه فيه بعد أن يعرف علل التشريعات الثابتة بطريق من طرق مسالك العلة.

النحو الرابع: إعطاء حكم لفعل أو حادث حدث للناس لا يعرف حكمه، فيما لاح للمجتهدين من أدلة الشريعة دلالة نظير يقاس عليه.

النحو الخامس: تلقي بعض أحكام الشريعة الثابتة عنده تلقي من لم يعرف علل أحكامها، ولا حكمة الشريعة في تشريعها، فهو يتهم نفسه بالقصور عن إدراك حكمة الشارع منها، ويستضعف علمه في جنب سعة الشريعة فيسمى هذا النوع بالتعبدي.

ثم يعلق على ذلك بأن الفقيه بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة في هذه الأنحاء كلها. وحينما وضح علاقة هذه الأنحاء الخمسة بمعرفة مقاصد الشريعة، فصل النحو الرابع قائلاً: "أما في النحو الرابع فاحتياجه فيه ظاهر، وهو الكفيل بدوام أحكام الشريعة الإسلامية للعصور والأجيال التي أتت بعد عصر الشارع والتي تأتي إلى انقضاء الدنيا."53

ولأهمية المقاصد بوصفها عماد الفقه واستنباط الأحكام، تحمس الشيخ ابن عاشور إلى استبدال علم مقاصد الشريعة بعلم أصول الفقه. فبعد أن بين أن في علم أصول الفقه اختلافاً كبيراً بين علمائه، أطلق الدعوة الآتية قائلاً: "فنحن إذا أردنا أن ندون أصولاً قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدوين، ونعيرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي غلثت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر، ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه علم مقاصد الشريعة، ونترك علم أصول الفقه على حالة تستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية، ونعمد إلى ما هو من مسائل أصول الفقه غير منزو تحت سرادق مقصدنا هذا، من تدوين مقاصد الشريعة، فنجعل منه مبادئ لهذا العلم الجليل، علم مقاصد الشريعة."

وقد عد بعض الباحثين ما ذهب إليه الشيخ ابن عاشور خطوة سديدة نحو إنشاء علم في أصول الأصول في الفقه.

ويؤكد الشيخ محمد أبو زهرة (توفي 1394ه) على أهمية المقاصد ووجوب الوقوف عليها فيما كتبه عن تعليل النصوص، فيقول: "إن الفقه الإسلامي ما كان ليتسع أفقه، وليعالج مشكلات الناس، ويخرج بتلك القواعد الفقهية لولا تعليل النصوص، والربط بين الفروع المختلفة بروابط جامعة من علل مستنبطة من النصوص عامة، أو بعلة خاصة من نص خاص، فإن التعليل هو الذي فتح عين الفقه، بل إن التعليل هو الفقه، أو هو لباب الفقه، وإن التعليل كما قلنا ليس الغرض منه إلا أن تعرف مقاصد الشارع الحكيم من النصوص." 56

وما دامت لمقاصد الأحكام هذه المنزلة في بنية التشريع الإسلامي، وتلك الأهمية بالنسبة للمجتهد، وما دام علم الأصول قد خلا من الحديث بصورة وافية عنها، فإن المنهج الأصولي لا تتوافر فيه كل الخصائص العلمية للاستنباط الفقهي إلا إذا أخذت دراسة المقاصد حظها فيه، ومن ثم فالدراسة الشاملة للمقاصد من ألزم الضرورات لتجديد علم الأصول وتطويره ليصبح أكثر وفاء بمقتضيات الاجتهاد في العصر الحديث، وأكثر استجابة لما يطرحه هذا العصر من قضايا ومشكلات، ولا يسمح المجال بتفصيل القول في طرق إثبات المقاصد وبيان مراتبها، والضوابط التي تمنع من إساءة فهمها أو إدخال ما ليس منها فيها. وتكفي هنا الإشارة إلى أن استقراء نصوص الشريعة وتكاليفها من أهم الطرق للوقوف على هذه المقاصد57 كما أن الاجتهاد الجماعي هو أمثل الطرق لوضع الضوابط التي تحدد مراتب المقاصد، وتحول دون إساءة فهمها.

ونأتي الآن إلى تطوير مفاهيم بعض الأدلة فالمراد به التوسع في هذه المفاهيم، أو تضييق دائرة الاختلاف حولها، أو ضبطها وجعلها أقرب إلى الواقع العملي بدلاً من أن تظل فكراً افتراضياً يتعذر تطبيقه إن لم يكن مستحيلاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير