واضح في هذا الحديث ان النهي جاء لامرأة تريد ان تصل شعر ابنتها العروس, ثم تزفّها الى عريسها .. فجاء النهي من الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك .. ولو أردنا ان نستنطق النص, ونسأل عن السبب من خلال ما يوفّره النص من معطيات, نقول ان النهي جاء حتى لا ينخدع الزوج في عروسه .. لذا سمى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث آخر بالزور:
جاء في صحيح البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب قال قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبّة من شعر قال ما كنت أرى أحدا يفعل هذا غير اليهود ان النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني الواصلة في الشعر. (كتاب اللباس)
وجاء في نيل الاوطار: عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا رواه احمد (نيل الاوطار ج6 ص340)
وتظهر روايات اخرى ان السبب في ذكر معاوية لما ذكر هو ما تعرّض له من خداع من بعض ازواجه: حدثنا ابو الزنباع روح بن الفرج المصري ثنا يحيى بن بكير حدثني بن لهيعة حدثني محمد بن عبد الرحمن بن الاسود عن عروة بن الزبير انه سمع معاوية على منبر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قصة شعر فقال اني وجدت هذه في اهلي وانهم زعموا ان النساء يزدنه في شعورهن واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعن الله الواصلة والموصولة (ج19 ص322)
وجاء في فتح الباري: وفصل بعضهم بين ما اذا كان ما وصل به الشعر شعرا مستورا بعد عقده مع الشعر بحيث يظن انه من الشعر وبين ما اذا كان ظاهرا فمنع الاول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي ومنهم من اجاز الوصل مطلقا سواء كان بشعر آخر او بغير شعر اذا كان بعلم الزوج وباذنه واحاديث الباب حجة عليه (ج10 ص 375)
وهنا يبدو جليّا ان ابن حجر يرى ان القول بالمنع بعلّة التدليس قول فيه حجة قوية
وقد وردت احاديث كثيرة حول المرأة التي أرادت ان تزوج ابنتها كلها تذهب الى ان المرأة كانت تحاول ان تصل شعر ابنتها قبل ان يدخل زوجها بها:
- جاء في مسند امام احمد
حدثنا يونس قال حدثنا عمران بن يزيد القطان بصري عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن أسماء ان امرأة جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت اني زوجت ابنتي فمرضت فتمرّط رأسها وان زوجها قد اختلف إليّ أفأصل رأسها قالت فسب الواصلة والمستوصلة (باقي مسند الانصار)
- جاء في المعجم الكبير
فقالت يا رسول الله ابنة لي زوجتها فأصابتها الحصبة فمرق شعرها ونحن نريد ان ندخلها على زوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة
2 - اذا استقام هذا الكلام, يتضح لنا قول ابن عباس: حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن اسامة عن ابان بن صالح عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال لعنت (بصيغة المجهول) الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمّصة والواشمة والمستوشمة من غير داء (كتاب الترجل - سنن ابي داود)
وايضا قول ابن مسعود في مسند الامام احمد: عن ابن مسعود: فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة الا من داء (مسند المكثرين من الصحابة)
فهما يذهبان الى اباحة ذلك اذا كان ذلك من داء,
ويمكن بالتالي تلخيص حكم الوصل كما يلي: ان الوصل اذا كان فيه خديعة للزوج فهو منهي عنه, اما اذا كان هناك داء في الرأس فللمرأة ان تستأذن زوجها في ذلك .. النهي هنا انما هو عن خديعة الزوج, ولذا عبّرت احاديث عنه بالزور ...
اما القول بأنه تغيير لخلق الله او ما شابه, فانه يحتاج الى دليل امام اما سلفنا ...
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[20 Apr 2006, 02:16 ص]ـ
أحاديث إباحة الوصل لأجل الداء - " إلا من داء " - محمولة على ما كان بغير شعر الآدمي، كي لا تخالف الأحاديث الصحيحة بالنهي عن الوصل حال المرض و الداء، و بذلك يمكن الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض و التناقض، المتحدة المحل (أي في حال الداء).
- و أما الزعم بأن النهي عن الوصل - بشعر الآدمي - انما هو عن خديعة الزوج: فغير صحيح، و يرده الحديث الصحيح، الذي أخرجه البخاري في (باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية) - و قد سبق لي ذكره من قبل - قال:
(حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: " لا إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلَاتُ ").
- و الزوج هنا هو الذي طلب بل أمر بالوصل: فانتفى القول بالخديعة له، و انتفى الغش و التدليس،
و مع ذلك نهي عنه، و لو لأجل الداء،
- و يبقى حمل الإباحة لأجل الداء - في الأحاديث الأخرى - على ما كان بغير شعر الآدمي،
ليمكن الجمع بين الأحاديث
و العلم عند الله تعالى
¥