تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القوة هي الفضيلة الأساسية بنظر نيتشه، والضعف هو النقيصة الوحيدة، وإن الحكم الفصل في جميع الخلافات ومصائر الأمور هو القوة لا العدالة، وهكذا كان بسمارك يقول: " إنه لا محبة للغير بين الأمم، وإن قضايا الدول الحديثة لا ينبغي أن تقررها أصوات الناخبين ولا بلاغة الخطب، وإنما الدم والحديد. [انظر: ديورانت " السابق " ص 506].

لقد كان بسمارك إذاً رمزاً لهذه الأخلاق النيتشوية، وإذا كان نيتشة هو فيلسوف القوة فإن بسمارك كان سياسيُّ القوة.

ومن هنا تم رفض المسيحية لدى هؤلاء، لأنها كما هو معلن عنه ديانة الحب والسلام، وهي بنظر فلاسفة وسياسييِّ القوة لا تصلح لتبرير القوة العسكرية، والفصل الحديدي، ولذا فإن بسمارك الذي فرض سيادته على النمسا، وأخضع فرنسا في شهور قليلة، ودمج الدويلات الألمانية في امبراطورية عظمى، لم يكن يؤمن بأخلاق الحب والتسامح والتواضع، ومن هنا تم استبدال إله المسيحية بالسوبرمان " أو الإنسان الأعلى " إله نيتشة الجديد. "" إن أقوى وأسمى إرادة للحياة لا تجد تعبيراً لها في الصراع البائس من أجل البقاء ولكن في إرادة الحرب، وإرادة القوة وإرادة السيادة [انظر: ديورانت " السابق " ص 511]. وهذا ما تحاول أمريكا اليوم أن تفرضه على العالم.

لقد ماتت جميع الآلهة بنظر نيتشه وأتاحت الفرصة للإله الجديد السوبرمان أي الإنسان الأعلى. ولقد كتب نيتشة كتابين أحدهما " ما فوق الخير والشر " والثاني " تاريخ تسلسل الأخلاق " وكان يرجو في هذين الكتابين تدمير الأخلاق القديمة القائمة على المحبة والصدق والتواضع لتحل محلها أخلاق الإنسان الأعلى، الإنسان المتأله المتفرعن المتغطرس الذي لا يؤمن إلا بالقوة والبطش. ولذلك كان نيتشة شديد الإعجاب بنابليون الذي تسبب في قتل الملايين من الرجال " يا له من منظر رائع عندما قدم الملايين من الأوربيين أنفسهم لنابليون من أجل تحقيق أهدافه، لقد ضحوا بحياتهم عن طيب خاطر له، وراحوا يتغنون باسمه وهم يسقطون في ميدان المعركة " [انظر: " ديورانت السابق " ص 535].

ويرد على المهاجمين لسياسة نابليون فيقول: " لم يكن نابليون جزاراً، بل كان محسناً نافعاً، لأنه قدم للناس موتاً عسكرياً شريفأ، لأن الحرب أفضل علاج للشعوب التي دب فيها الضعف والترف والراحة والهوان والخسة ". [السابق ص 545].

لم يكن نيتشة فيلسوف القوة فقط بل كان فيلسوف العنصرية أيضاً، فقد كان يؤسس للعنصرية الألمانية التي سيتبناها فيما بعد هتلر ويكوي العالم بنارها كما تكويه اليوم أمريكا. فرأى نيتشة أن أخلاق السادة هي أخلاق رومانية وأما أخلاق الضمير والشفقة فهي أخلاق سامية، وأن الشعب الألماني يمتاز بطبيعة رزينة وعمق يبعث على الأمل في أن تنهض ألمانياً يوماً لتخليص العالم. إن ما يوجد في الشعب الألماني من فضائل الرجولة يفوق ما هو موجود في بقية الشعوب [انظر: السابق ص 526 – 538].

والآن ما الذي حصل لنيتشة الذي أسكرته العظمة وافترى حين صرخ بملء صوته في العالم مات الله "سبحانه وتعالى " لقد قال نيتشة ثملاً بأن المستقبل سوف يقسم الماضي إلى ما قبل نيتشة وما بعد نيتشة ولكن ما الذي حصل؟

لقد كان جزاءاً عادلاً لمن يتمرد على كينونته وهويته، ويرفض خلعة الباري عز وجل، فها هو نيتشة يقضي الأحد عشر سنة الأخيرة من حياته مجنوناً، وألعوبة بأيدي الصبيان ولقد كان يرفض الضعف فأصبح الآن ضعيفاً، وكان يرفض الشفقة فأصبح مثاراً للشفقة. وكان يحلم بإبادة الضعفاء والمعوقين والمجانين وها هو اليوم ضعيفاً مجنوناً يعيش في المارستان، فما أعظم حكمة الله عز وجل، وما أعدل رحمته.

لقد رأينا فيما سبق أن أسس الأخلاق الرئيسة أربعة هي: القوة، اللذة، العنصرية، والحاجة. ورأينا كيف سارت هذه الأسس مترافقة مع أصناف الفلسفة عند اليونان، وفي أوربا. وها هو فرويد يسير شوطاً أبعد بفلسفة اللذة فيعتبر اللذة المقصودة هي اللذة الجنسية، في حين كانت تشمل كل أنواع اللذة، مثل لذة العظمة، ولذة الواجب، أما فرويد فقرر أن الموجه للسلوك الإنساني هو اللذة الجنسية، وإذا علمنا أنه يعتبر الناس أشراراً بطباعهم فإننا ندرك السر في الإباحية العابثة التي تشيع اليوم في المجتمعات الغربية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير