وأما فلسفة القوة والحاجة فإن الفلاسفة النفعيين أمثال وليم جيمس وجون استيوارت مل، وجون ديوى قد تقدموا بها شوطاً آخر حين أضافوا إليهما فلسفة المنفعة" البراجماتزم "،وقالوا بأن المقياس الأول والأخير للأخلاق هو المصلحة والمنفعة الشخصية.
وأما فلسفة العنصرية فقد خصصها رينان أكثر، وصبغها بصبغة علمية، وألبسها مسوحاً أكاديمياً حين قرر أن الجنس السامي دون الجنس الآري في التفكير، وخصص أكثر حتى يستثني اليهود أبناء عمومتنا حين قرر أنه من العبث أن نتلمس لدى العرب آراء علمية أو دروساً فلسفية خصوصاً وأن الإسلام قد ضيق آفاقهم وانتزع من بينهم كل بحث نظري وأضحى الطفل المسلم يحتقر العلم والفلسفة. [انظر: د. إبراهيم مدكور " في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق " 1/ 16].
أما في العصر الحديث عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان والعولمة فإن صموئيل هنتغتون وفرنسيس فوكوياما قد تقدما بفلسفة العنصرية والقوة إلى أبعد مدى. [انظر: صموئيل هنتغتون: صدام الحضارات، وفرنسيس فوكوياما: نهاية التاريخ].
هذه إذن هي أسس الأخلاق في الفلسفة الغربية على مر التاريخ وهي الأسس التي انتصرت وسادت: القوة – اللذة – المنفعة – العنصرية، فهل كان لهذه الأسس صدى في الواقع العالمي بالأمس واليوم؟
إن الأخلاق الأبيقورية والمكيافللية والنيتشوية هي التي جعلت بسمارك ونابليون لا يباليان بملايين الجنود الذين يموتون في سبيل تحقيق العظمة، وفي سبيل نشوة القوة، والشعور بالمجد. وإن أخلاق المنفعة والقوة والعنصرية هي التي دفعت الاستعمار في القرون الماضية إلى بلادنا لنهب خيراتها وثرواتها، وجعلته يبنى أمجاده وثراءه ورفاهيته وحضارته على حساب فقرنا وامتصاص دمائنا.
وإن فلسفة القوة والمنفعة والعنصرية هي التي دفعت هتلر إلى إبادة ملايين البشر من اليهود والغجر والمعوقين والمسنين لأنهم عُدُّوا أفواهاً مستهلِكة غير منتِجة، وعُدَّ ذلك إنجازاً عقلانياً لأنه حرر النازية من أية أعباء أخلاقية مثالية، وتعاملت مع البشر بكفاءة بالغة وبمادية صارمة كما لو أنهم مادة استعمالية نسبية تخضع لقوانين الطبيعة والمادة. وكذلك فعل ستالين حين أباد ملايين من الفلاحين الكولاك في إطار دراسة علاقات الإنتاج ومعدلات النمو " لأن هؤلاء كانوا يعوقون عملية الإنتاج الحتمية ". [انظر: د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " الجزء الأول].
لقد كان المسؤولون في إدارات هتلر وستاليني يتحدثون عن الإبادات الجماعية ببرود شديد كما يتكلم رجل الأعمال عن ميزانيته ولم يكن في حديثهم أي أثر للعاطفة أو الشفقة يقول شبيير مهندس هتلر الأول: " إن تركيزي المرضي على الإنتاج وإحصاءات الناتج طمس عندي جميع المشاعر والاعتبارات الإنسانية " [انظر: كافين رايلي " الغرب والعالم " 2/ 294 و د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية " 1/ 77].
وفلسفة القوة هي التي دفعت أمريكا إلى إلقاء قنابلها النووية على هيروشيما وناغازاكي دون حساب لأي اعتبارات إنسانية، لأن الرغبة في السيادة والسيطرة جعلت الاعتبارات الإنسانية مرجأة. وهي التي جعلتها تقتل في فيتنام ثلاثة ملايين فيتنامي. وهي التي جعلتها قبل ذاك تبيد شعباً بأكمله هم الهنود الحمر، لتحل محله في أرضه ووطنه. وهي التي دفعت بريطانيا لإبادة ثلاثة أرباع الشعب الأسترالي. ودفعت فرنسا لإبادات جماعية وإحراق مدن بأكملها، وإبادة مليون ونصف إنسان في الجزائر.
هذه الفلسفة هي التي تسود اليوم في العالم، ومن هنا فإن منظر الفلسطينيين حين نشاهدهم مكبلين مصفوفين على الجدران، أو جاثين على الركب، أو منبطحين على الأرض، أو يُركلون بالأقدام، وإن منظر الأشلاء المتناثرة، والجثث المتفحمة، وبقع الدم الحمراء، هذا المنظر هو مصدر ألم لنا بل مصدر شقاء متواصل كل يوم، ولكنه بالنسبة لشارون وبوش وكل سياسيي القوة مصدر لذة وشعور بالنشوة.
¥