تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تثنية المتفقين لفظًا، المختلفين معنى.

ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[30 - 05 - 2004, 02:44 م]ـ

اشترط جمهور النحويين، فيما يراد تثنيته قياساً، شروطاً، منها أن يكون كلٌ من المفردين موافقاً للآخر في المعنى، ومن ثم منعوا تثنية المشترك مثل (عين)، فإنه يجوز تثنيتها إذا أريد - مثلاً - عينان باصرتان، أما إذا كان من قبيل المشترك فأريد بها العين الباصرة وعين الماء أو الشمس، أو نحو ذلك، فإنه لا يقال: عينان، ولكن يؤتى بالعطف بين اللفظين. وخالف بعض النحويين في هذا فأجاز تثنية المشترك. وإليك بيان ذلك:

جمهور النحويين وأكثر المتأخرين (1) على منع تثنية المختلفين في الدلالة، المتفقين في اللفظ، فلا يثنى لفظ (العين) -مثلاً- إذا قصد به معنيان مختلفان، كالعين الباصرة، والنقد ولابد حينئذٍ من العطف.

قال ابن أبي الربيع في الشرط الخامس من شروط التثنية: " " أن تتفق الدلالة، فتقول: عينين، إذا أردت عينين باصرتين، فإذا أردت عيناً باصرة وعين الماء لم تقل: عينان، ولابد من العطف هنا، ويأتي هذا مثنى في كلام المولدين، وإن كان المعنى مختلفاً بقرينة تدل عليه. قال الحريري (2):

جادَ بالعَيْنِ حِيْنَ أَعْمى هواهُ ... عَيْنَه فانْثَنَى بلا عَيْنَيْنِ (3).

يريد العين الباصرة والدراهم. وهذا منهم على طريق الاستحسان، لا يريدون بذلك أن هذا من كلام العرب.

ومن الناس من ذهب إلى أن هذا الخامس لايشترط، والصحيح ما ذكرته " (4).

وأجاز ابن الأنباري (5) تثنية مثل هذا، ووافقه ابن مالك (6)، وتردد ابن الحاجب (7) في الجواز، وقيل هو مذهب الجزولية (8) والأندلسي (9).

وأبدأ بأدلة المجيزين للتثنية في المشترك، ثم أذكر حجة الجمهور والراجح - عندي - بإذن الله.

فقد احتج ابن مالك بالعقل والنقل، أما العقل فقال: " لأن أصل التثنية والجمع العطف، وهو في القبيلين جائز باتفاق، والعدول عنه اختصار، وقد أوثر استعماله في أحدهما فليجز في الآخر قياساً، وإن خيف لبس أزيل بعد العدول عن العطف بما أزيل قبله، إذ لافرق بين قولنا: رأيت ضارباً ضرباً وضارباً ضربة، وبين قولنا: رأيت ضاربَيْنِ ضرباً وضربة " (10).

وقال، أيضاً: " التخالف في اللفظ لابد معه من تخالف المعنى ولم يمنع من التثنية، فأَنْ لايمنع منها التخالف في المعنى مع عم التخالف في اللفظ أحق وأولى " (11).

واحتج - أيضاً - بأنه يجوز الجمع بين المختلفين في المعنى في الإضمار، كقولك: لي عين مالٍ وعين ماءٍ أُبِيْحُهُما للضيف، فكما جاز الجمع في الإضمار يجوز الجمع بينهما في الإظهار، بشرط أمن اللبس (12).

وأما النقل فقد ذكر أن ابن الأنباري (13) صرّح بجواز تثنية المشترك، محتجاً بقول النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " الأيدي ثلاث فَيَدُ الله، تعالى، ويد المعطي، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة " (14).

ثم قال ابن مالك: " ويؤيد ذلك قوله، تعالى: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلهَ آَبائِكَ إِبْرَاهِيْمَ وإسْمَاعِيْلَ وإِسْحَاقَ} (15). ومما يؤيد ذلك قول أبي علي القالي (16):

من كلام العرب: حِقُّة الظهر أحد اليسارين (17)، .... ، وقولهم: القلم أحد السِّنانين، والخال أحد الأبوين. ومن ذلك قول بعض الطائيين:

كم لَيْثٍ اغْتَرَّ بي ذا أَشْبُلٍ غَرَثَتْ ... فكانني أعظمُ اللَّيْثَيْنِ إقْداما " (18).

ثم انتصر لمذهبه بذكر بعض الشواهد، وقدم قبل بعضها صيغة الاحتمال، بقوله:

" ويمكن أن يكون منه .... " (19).

وقال الجمهور إن اشتراط اتفاق الدلالة يقتضيه النظر والاستقراء، أما النظر فإنه يقال: إن الاتفاق في اللفظ إنما اشترط من أجل الاستغناء بحرف التثنية عن التكرار والعطف، فأقيم حرف التثنية مقام الاسم الآخِر اختصاراً واستغناءً بلفظ الأول عنه. فالثاني: دل عليه لفظ الآخر، فإذا كان الثاني غير الأول في اللفظ فلا تجوز التثنية، فلا يقال: الزيدان، لزيد وعمرو، لأنه لا دلالة على عمرٍو أصلاً، فإذا كان اتفاق اللفظ مشتركًا لذلك فالاتفاق في المعنى أولى، فإن كانا متفقين في اللفظ دون المعنى لم يكن الثاني في معنى الأول، فلا تقع الدلالة عليه بالأول، لأن اتفاق اللفظ لايعطي أن الآخِر مثل الأول فيدل عليه، بل الذي يدل على ذلك اتفاق المعنى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير