• الاختصاص والقصر، قد يأتي الضمير دلالة على القصر، وجاء في "الكشاف" في قوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون} [البقرة:5]: " و (هم) فصل وفائدته الدلالة على أنّ الوارد بعده خبر، لا صفة، ولا توكيد، وإيجاب أنّ فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره"، وقد يرد القصر على الحقيقة، كما ورد في الآية السابقة، وقد يرد على سبيل المبالغة، كقوله تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون في الأرض}، لأنه الواقع يقتضي بوجود مفسدين غيرهم.
• التوكيد، ولذا أسماه بعض الكوفيين دعامة، قال الله تعالى: { ... ذلك هو الفوز العظيم} فالفصل فيه دلالة توكيد.
• توكيد معنى الكمال، قال تعالى: {إنك أنت السميع العليم}، فصفة السمع والعلم، يشترك فيها الخالق والمخلوق، وإن كانتا متباينتين، فسمع الله وعلمه يليق بجلالته وعظمته، ولكنه سبحانه لكماله في هذه الصفة، كأنه هو المختص بها دون غيره.
هذا على سبيل الإيجاز والتصرف، ومن أراد الاستزادة، فليرجع إلى كتاب"معاني النحو" لـ د. فاضل السامرآئي، وكتاب "نحو الللغة العربية" لمحمد أسعد النادري.
خامساً: ضمير الشأن:
درج على لسان العرب في مقام التفخيم، والتعظيم، على تقديم ضميرٍ تفسره الجملة بعده، هذا الضمير يسمى "ضمير الشأن"، ويسميه الكوفيون "ضمير المجهول"، ومثاله: قوله تعالى: {قل هو الله أحد}، فـ"هو" تفسرها جملة "الله أحد"، فيكون المعنى: قل شأنه الله أحد.
ولا يكون ضمير الشأن لحاضر، وإنما يكون ضمير غيبة مفسَّراً بجملة خبرية بعده مصرح بجزأيها، فإن كان بلفظ المذكر سمي ضمير الشأن، وإن كان بلفظ المؤنث سمي ضمير القصة، وقد يسمى بهما.
ويجيء هذا الضمير مع العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، نحو: إن وأخواتها، وكان وأخواتها، وظن وأخواتها، وتعمل فيه هذه العوامل، نحو: إنه زيدٌ ذاهبٌ، فالضمير اسمها، والجملة بعده خبرها.
و جاء في شرح الرضي على الكافية: " ويتقدم قبل الجملة ضمير غائبٍ يسمى ضمير الشأن، يفسر بالجملة بعده، ويكون منفصلاً ومتصلاً، مستتراً وبارزاً على حسب العوامل، والمراد بهذا الضمير الشأن والقصة، فيلزمه الإفراد والغيبة كالمعود إليه، إما مذكراً وهو الأغلب، وإما مؤنثاً كما يجيء، وهذا الضمير راجعٌ في الحقيقة إلى المسئول عنه بسؤال مقدر، تقول مثلاً: "هو الأميرُ مقبلُ" كأنه سمع ضوضاء وجلبة فاستبهم الأمر، فيسأل ما الشأن أو القصة؟ فقلتَ: "هو الأمير مقبلُ" أي: الشأن كذا".
وهذا أيضاً على سبيل الإيجاز، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "معاني النحو" لـ د. فاضل السامرآئي.
سادساً: مرجعُ الضمير:
الضمير وإن كان معرفة إلا أن فيه إبهاماً، فلا بد له من شيء يبين المراد منه ويفسره، وهذا ما يسمى بـ"مرجع الضمير" أو "عود الضمير".
أما مرجع ضمير المتكلم أو المخاطب فهو حضور من هما له.
وأما مرجع الغائب فقد يكون معلوماً غير مذكور، كما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، فمرجع الضمير على القرآن وهو معلوم، وقد يكون مذكوراً وهو الغالب، فإن ذكر المرجع فإما أن يكون مقدماً على الضمير، أو مؤخراً عنه، وفيه مسائل:
• أنّ الأصل أن يعود الضمير على اسم متقدمٍ، نحو: {والشعراء يتبعهم الغاوون}، وقوه: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربه بكلمات فأتمهنّ}.
• قد يعود الضمير على متأخرٍ في اللفظ متقدمٍ في الرتبة، نحو: {فأوجس في نفسه خيفةً موسى}.
• قد يتقدم مرجع الضمير معنىً لا لفظاً، نحو: {اعدلوا هو أقرب للتقوى}، فـ"هو" عائدٌ إلى العدل، ولم يذكر صراحة، وإنما فهم من قوله: {اعدلوا}.
• قد يعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، وذلك كضمير الشأن، نحو: {قل هو الله أحد}، وكذلك الضمير المجرور بربّ المفسر بالتمييز، نحو: "ربه رجلاً أكرمتُ".
• إذا تقدم شيئان، كل منهما يصح كونه مرجعاً للضمير، فالأصل أن يعود الضمير للأقرب، نحو: "جاء محمد وخالدٌ فأكرمته" فالأصل أن تعود الهاء على "خالد"، ونحو: {وهو الذي جعل الشمس ضياءً والقمرَ نوراً وقدره منازلَ}، فالهاء تعود على القمر، ويجوز إرجاع الضمير على أول لقرينة، نحو: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}، فالضمير عاد إلى الصلاة، لكونها مؤنثة، ولفظ الضمير مؤنثاً، وهذا يعرف بالتنازع عند النحويين.
¥