تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وممَّا تقدَّمت فيه الصفة الَّتي هي جارٌّ ومجرور قول الله تعالى: ? إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ? (3)، " وتقديره: يأكلون نارًا كائنةً في بطونهم، ف (في بطونهم) صفة ل (نار) في الأصل، إلاَّ أنَّه لمَّا قُدِّم عليها انتصب على الحال " (4).

ومنه أيضًا قول النبيِّ r : " هو لها صدقة " (5)، ففيه (صدقة) " خبر (هو)، و (لها) صفةٌ قُدِّمت فصارت حالاً " (6).

ديوانه /506، وانظر: أمالي ابن الشجري 3/ 9.

البيت من شواهد الكتاب 2/ 123.

سورة النساء، الآية 10.

البيان لابن الأنباري 1/ 138.

رواه البخاري 2/ 543 في كتاب الزكاة، باب الصدقة على موالي أزواج النبي r ، برقم 1422.

شواهد التوضيح والتصحيح /153.

وقد جعل النحاة مجيء الحال من النكرة جائزًا في هذا الموضع؛ لأنَّ الحال يتقدَّم على صاحبه، أمَّا الوصف فلا يتقدَّم على الموصوف (1).

وإنَّما جاز مجيء الحال من النكرة عند تقدُّم الحال على صاحبها في نحو: فيها قائمًا رجلٌ؛ لأنَّ تقدُّم الحال على صاحبها يؤمن التباسها بالصفة، فلو تأخَّرت لاشتبهت في حال انتصاب صاحبها بالوصف، نحو: رأيت رجلاً راكبًا (2).

ومن النحاة من أجاز مجيء الحال من النكرة بلا مسوِّغ، روى ذلك سيبويه عن عيسى بن عمر وتلميذه الخليل بن أحمد (3)، وهو بعد مرويٌّ عن ابن الطراوة (4)، وقال به أبو حيَّان (5)، فعلى قولهم يجوز: هذا رجلٌ منطلقًا، فينتصب على الحال كما ينتصب الحال من المعرفة، وبذلك يكون المعنى هو المسوِّغ، وتكون (راكبًا) في: رأيت رجلاً راكبًا، محتملةً لكونها وصفًا ولكونها حالاً.

وقول النحاة بتحوُّل الصفة المتقدِّمة على الموصوف إلى حال يبدو مرتبطًا بالصنعة النحويَّة ولا علاقة له بالمعنى من قريب ولا من بعيد، ومع أنَّه يحمي من التباس الحال بالصفة في مثل: رأيت رجلاً راكبًا، إلاَّ أنَّه يوقع في لبسٍ آخر، فحين نريد في جملة مثل (أقبل طالبٌ مستهترٌ) أن نبرز صفة الاستهتار فنقول: (أقبل مستهترٌ طالبٌ)، يُلزمنا النحاة أن نقول: (أقبل مستهترًا طالبٌ)، وشتَّان بين التعبيرين؛ لأنَّ (مستهترٌ) في الأولى على الإتباع صفة ثابتة تقدَّمت على موصوفها للعناية بذكرها ولبيان أنَّ كونه مستهترًا أبرز من كونه طالبًا، أمَّا في الجملة الثانية فهي بالنصب وصفٌ للطالب بالاستهتار في حال إقباله وحسب، لا أنَّ الاستهتار صفةٌ لازمةٌ له (6).

انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 62.

انظر: شرح الأشموني 2/ 10.

انظر: الكتاب 2/ 112.

انظر: نتائج الفكر /234.

انظر: ارتشاف الضرب 3/ 1577.

انظر: معاني النحو 2/ 292.

إنَّ قول النحاة بأنَّ " الحال صفةٌ في المعنى " (1) لا يسوِّغ الخلط بينهما؛ إذ بينهما من الاختلاف شيءٌ كثير، فالصفة تتبع الموصوف في إعرابه، وتكون لازمةً له على كلِّ وجه، فهي بذلك أدنى إلى الثبوت واللزوم، أمَّا الحال فتخالف صاحب الحال في إعرابه، وهي وصفٌ غير ثابت له، بل يحدث في وقتٍ ويبطل في غيره، أي أنَّها مقيَّدة ومتغيِّرة (2)، ونحن في تفريقنا بين أساليب أربعة هي:

1 - أقبل رجلٌ ضاحكًا.

2 - أقبل ضاحكًا رجلٌ.

3 - أقبل رجلٌ ضاحكٌ.

4 - أقبل ضاحكٌ رجلٌ.

نرى أنَّ (ضاحكًا) في الأسلوبين الأوَّلَيْن وقعت حالاً، إلاَّ أنَّ كون المقبل رجلاً في الأسلوب الأوَّل أهمُّ من كونه ضاحكًا، في حين كونه ضاحكًا في الأسلوب الثاني أهمُّ من كونه رجلاً.

وفي الأسلوبين الآخرَيْن وقعت (ضاحك) وصفًا، والموصوف في أوَّلهما (رجل) أهمُّ من الوصف، أمَّا في الأخير فالوصف (ضاحك) أهمّ، وفيه نوع من التشويق كما سبق ودلَّ عليه كلام سيبويه المذكور آنفًا.

إنَّ كلام سيبويه يجعلنا لا نرى بأسًا بتقديم الصفة على الموصوف مع بقاء اعتبارها صفة، وإن كان فيه ضعف، فهو يوصل إلى دلالات تجعل التركيب مختلفًا عن التركيب الأصليّ، ومختلفًا عن ما جاء فيه الحال المتقدِّم من النكرة، ويبقى الضابط لذلك هو الاعتماد على قرائن السياق الَّتي تكشف عن المعنى في غالب الأحوال، ولا تحتاج إلى الالتفاف على اللغة والخلط بين أجزائها، فالحال حال، والصفة صفة، وليس من روح اللغة في شيء وضع أحدهما موضع الآخر.

الكلِّيَّات /545.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير