قال ابن حجر (6/ 225): " وأبلغ من ذلك ما جاء في حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مرضعاته في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم، ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل " أخرجه ابن خزيمة وتوقف في صحته، وإسناده لا بأس به ".
المسألة الثالثة والعشرون: حكمة صيام يوم قبله أو بعده:
سنة، لأن الأصل وهو صيام عاشوراء سنة فيتبعه في الحكم ما كان تابعاً له، وفعل السنن يرغب فيها خاصة إن كانت المسألة تتعلق بمخالفة اليهود والنصارى.
المسألة الرابعة والعشرون: أيهما أفضل يوم عاشوراء أم عرفة؟
الأكثر من أهل العلم على أن عرفة أفضل لأمور:
1 - لأنها تكفر سنتين إن تقبلها الله.
2 - لأنها في عشر ذي الحجة وهي أفضل من عشر المحرم.
3 - ولأن عرفة يختص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بينما عاشوراء لموسى عليه السلام، ومحمد أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام أجمعين.
4 - وقال بعضهم بأن عرفة هي الحج الأكبر، وهذا وإن كان مرجوحا إلا أن العلماء لم يتفقوا على عدم هذه الميزة لعاشوراء.
المسألة الخامسة والعشرون: ما حكم الحناء والكحل والاغتسال والمصافحة والطبخ وإظهار الفرح والسرور وإقامة الحفلات والتوسعة على الأهل في يوم عاشوراء؟ وهل ورد في ذلك أثر صحيح؟
لم يرد في ذلك أثر صحيح في السنن ولا المسانيد ولا غيرها، ولهذا فكل ما يفعل في ذلك اليوم على وجه العبادة فبدعة، ولعل من فَعَلَه من جهلة السنة كان يقصد مضادة الرافضة في حزنهم ومأتمهم فقابل البدعة ببدعة، وليس هذا من سبيل أهل السنة.
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (1/ 194): " وأعلى ما عندهم وغاية ما ورد: ما جاء عن إبراهيم بن محمد عن أبيه المتنشر: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته، قال سفيان بن عيينة: جربناه منذ ستين عاماً فوجدناه صحيحاً، وإبراهيم بن محمد: كان من أهل الكوفة، ولم يذكر ممن سمع هذا ولا عمن بلغه فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون علياً وأصحابه ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب.
وقال الإمام أحمد عن الأثر الوارد: لا أصل له، وكفى بذلك بطلاناً له.
المسألة السادسة والعشرون: تكفير يوم عاشوراء للسيئات هل يشمل الكبائر؟
ثبت في الصحيح أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة، ولكن إطلاق هذا التكفير لا يوجب تكفير السيئات حتى الكبائر لأنها مخصوصة بأدلة أخرى، فلا بد للكبائر من توبة، وإذا كانت الصلاة وهي أعظم من صيام عاشوراء تكفر السيئات إذا اجتنبت الكبائر فعاشوراء أقل شأنا من الصلاة المفروضة التي ثبت فيها قوله صلى الله عليه وسلم:" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر ".
المسألة السابعة والعشرون: إشكال وجوابه:
الإشكال: ثبت في السنة أن الصلاة تكفر السيئات، وأن صيام عرفة يكفر سنتين، وأن صيام عاشوراء يكفر سنة، وأن الجمعة إلى الجمعة يكفر ما بينهما.
فإذا كُفِّر عن الإنسان بصيام يوم عرفة والصلوات والجمعة ثم صام عاشوراء فماذا يكفر عنه وقد كفرت سيئاته بأعماله الأخرى؟
الجواب:
قيل في ذلك جوابان:
الأول: أن الصيام إذا لم يكن عند الإنسان سيئات فإنه يرفع له به درجات.
الثاني: أن الصيام الذي يكفر السيئات هو الصيام المتقبل عند الله، وكذلك الحال بالنسبة للصلاة فإنها لا تكفر السيئات إلا إن كانت مقبولة عند الله، وقد ثبت في الصحيح أن الرجل ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها، وينصرف الرجل من صلاته ولم يكتب له شيء.
لأن الأعمال تتفاضل ليس بصورتها وكثرتها وإنما بما يقم في قلب صاحبها من الإخلاص لله والمتابعة وما فيه من أعمال قلبية يقوم عليها دينه.
فليس بالضرورة أن يكون العمل متقبلاً كله، فقد يقبل بعضه، وقد يقبل الأقل منه، وقد يقبل الجزء اليسير فيكفر عما يقابله من السيئات، فالصيام يكفر جزءًا، والصلاة جزءًا، وعرفة جزءًا، وعاشوراء جزءًا، فكيف إذا كان الإنسان مصراً على الذنوب، كثير الغفلة، يسهو في الفرائض، وينتقص أركانها، ويهمل سننها!! فكيف إذا اجتمع مع ذلك محبطات للأعمال!!.
وبهذا نعلم حاجة الإنسان إلى استغلال أوقات الفضائل وأن يكون عمله خالصاً صواباً ليتقبله الله، فيؤدي ذلك العمل ثمرته من التكفير.
¥