المسألة الثامنة والعشرون: لِم كان صيام عرفة يكفر سنتين بينما صيام عاشوراء يكفر سنة؟
ذكر ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (5/ 315) حكمتين:
الأولى: أن يوم عرفة في شهر حرام، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء.
الثانية: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء، فمن شريعة موسى عليه السلام، فضوعفت عرفة ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقيل في ذلك أيضا:
أنه جاء في الحديث الصحيح مرفوعاً: " عملت اليهود من الصبح إلى الظهر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت النصارى من الظهر إلى العصر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العصر إلى المغرب فأعطاهم الله قيراطين ".
فدل ذلك على أن هذه الأمة تعطى ضعف أجر اليهود والنصارى، وهذا محتمل ولا يُجزم به لأنه منخرم في أعمال كثيرة ليس لنا ضعف ما لهم فقد يزيد وقد ينقص، وهذا فضل الله يؤتيه الله من يشاء.
المسألة التاسعة والعشرون: هل صام موسى عليه السلام يوم عاشوراء؟
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل أهل الكتاب عن صوم يوم عاشوراء فقالوا: يوم نجى الله فيه موسى وقومه من الغرق فصامه موسى شكراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم.
فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على هذه الجملة وعدم معارضتهم دليل على صدقهم فيها، ويضاف لذلك ما كانت قريش تفعله بالكعبة من تعظيم وكسوة فدل على أن هذا يوم تعظيمه له أصل، والله أعلم.
المسألة الثلاثون: هل فضل تكفير السيئات بصيام عاشوراء ينال من صام العاشر لوحده؟ أم لا بد من حصول مخالفة اليهود والنصارى فيشترط يوماً قبله؟
لا يشترط ذلك، فالفضل يحصل لمن صام عاشوراء، ومن خالف اليهود فصام يوماً قبله حصل على أجر المخالفة مع أجر الصيام، وجمع فضلاً إلى فضل، وذلك لأن الفضل معلق بيوم عاشوراء وهو اليوم العاشر.
المسألة الثلاثون: إذا وافق يوم عاشوراء يوم الجمعة فهل يفرد بالصيام؟
إذا وافق يوم عاشوراء الجمعة فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده: فلا حرج في ذلك، ولا يدخل في النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، لأنه أضاف مع الجمعة يوماً آخر.
الثانية: أن يفرد الجمعة بالصيام: فلا حرج في ذلك؛ لوجود السبب المقتضي لذلك وهو يوم عاشوراء، فيكون مخصصاً للنهي الوارد عن إفراد يوم الجمعة بالصيام.
المسألة الحادية والثلاثون: إذا غم أول شهر محرم بغيم أو قتر فما يفعل المسلم؟
لا يخلو الأمر من حالتين:
الأولى: أن يصوم ثلاثة أيام، وهي: يوم عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده، فيكون مصيباً ليوم عاشوراء بإذن الله.
الثانية: أن تكمل عدة شهر ذي الحجة ثلاثون، ثم يصام اليوم العاشر، كما يفعل في حال وجود غيم أو قتر في دخول رمضان.
المسألة الثانية والثلاثون: إذا وافق يوم عاشوراء يوم السبت فما حكم الصيام؟
اختلف العلماء في حكم يوم السبت على قولين:
الصحيح منهما الجواز، لفعله صلى الله عليه وسلم، وحديث الصمَّاء الوارد في النهي لا يصح وهو قوله: " لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لحاء عنبٍ، أو عود شجرة، فليمضغها " أنكره مالك وقال أبو داود بنسخه.
ولو ثبت الحديث لكان مخصوصاً بوجود السبب وهو عاشوراء فكيف والحديث غير صحيح، فعلى هذا يصح صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم السبت ولا كراهة في هذا.
المسألة الثالثة والثلاثون: إذا وافق يوم عاشوراء يوم الاثنين أو الخميس فهل يقع عن صيام الاثنين أوالخميس وعاشوراء بنية واحدة؟
هذه المسألة تنبني على مسألة أخرى، وهي: تداخل العبادات، والصحيح فيها هنا:
أنه يصح أن ينوي الإنسان عاشوراء وصيام الاثنين أو الخميس بنية واحدة، وفضل الله واسع، والله أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى.
المسألة الرابعة والثلاثون: لماذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صيام عاشوراء مع أن صيامه كان معروفاً في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه؟
قيل في ذلك عدة أجوبة، منها:
1 - أن سؤاله لم يكن لأجل الاستفهام، وإنما لأجل تأكيد أهميته وتعظيمه، ولا يمتنع أن يخرج السؤال عن الاستفهام إلى أغراض أخرى.
¥