وفي سنن الترمذي من حديث عائشة قالت: كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه، فقدم بز من الشام لفلان اليهودي، فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه. فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "كذب، قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة". وقد بوب الترمذي – رحمه الله – لهذا الحديث بالرخصة في الشراء إلى أجل.
ومن حديث العالية قالت: كنت قاعدة عند عائشة – رضي الله عنها – فأتتها أم محبة فقالت لها: يا أم المؤمنين أكنت تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته جارية لي إلى عطائه بثمانمائة نسيئة، وإنه أراد بيعها بستمائة نقدًا. فقالت لها: بئسما اشتريت، وبئسما اشترى. أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن لم يتب.
وجه الدلالة أن عائشة – رضي الله عنها – لم تعترض على البيع إلى أجل، وإنما اعترضت على بيع العينة.
وحديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة. وجه الدلالة أنه كان يشتري نسيئة بعلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وأوضح في الدلالة رواية البيهقي وفيها: قلت: يا رسول الله، نفدت الإبل، فقال: "خذ في قلاص الصدقة". فهنا الآمر له بالاشتراء نسيئة هو الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري – عند شرحه لحديثي عائشة وأنس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد، وفي رواية أنس أنه عليه السلام – رهن درعا عند يهودي وأخذ منه شعيراً لأهله ...
قال: " العلماء مجمعون على البيع بالنسيئة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – اشترى الشعير من اليهودي نسيئة. وقال ابن عباس: البيع بالنسيئة في كتاب الله وقرأ:} يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم {
وجاء في المدونة في كتاب الآجال: " أرأيت لو بعت ثوباً بمائة درهم إلى أجل شهر ثم إني اشتريته بمائة درهم إلى الأجل، أيصلح ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، لا بأس بذلك ".
رابعا: حكم البيع إلى أجل معروف عرفاً:
كأن يبيع الرجل سلعته على أن يدفع إليه المشتري الثمن في موسم حصاد الزرع أو جني الثمار أو عصير الزيت.
هذا البيع جائز عند مالك، ويعتبر الوسط من ذلك.
قال في التهذيب: " ولا بأس بالبيع إلى الحصاد أو الجذاذ أو العصير ... لأنه أجل معروف. وأما إلى العطاء فإن كان قائما معروفا وقته فجائز، وإلا لم يجز ".
وهذا إعمال من الإمام مالك لقاعدة (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً).
... يُتبَع
ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[14 - 12 - 10, 05:37 م]ـ
خامسا: البيع بالتقسيط:
وهو بيع يسلم فيه السلعة إلى المشتري على أن يدفع إليه المشتري الثمن على دفعات متفق على قدرها ووقتها.
وحكمه لا يختلف عن ما ذكرناه سابقاً من تأجيل الثمن كله إلى أجل معلوم.
سادسا: البيع إلى أجل مع زيادة الثمن على ثمن الساعة إذا بيعت بنقد، وهذا هو لب موضوع هذه الورقة.
إذا وضع البائع للسلعة الواحدة ثمنين أحدهما للبيع النقدي، والآخر لمن أراد شراءها إلى أجل، على أن يجزم المشتري بأحد الأمرين، ولا يذهب على عقد متردد بينهما. فهل هذا الأمر جائز؟
قبل أن نفصل هذه المسألة نقول:
اتفق العلماء ـ فيما أعلم ـ على منع العقد المتردد بين الحال والآجل، فإذا اشترى السلعة على أنه بالخيار بين الثمنين، فإن هذا العقد غير صحيح عند كافة العلماء.
أما إذا تم العقد على أحدهما بعينه فإن للناس في ذلك مذهبين فيما يتعلق بالشق الثاني، أعني عقد البيع إلى أجل، مع وجود زيادة في ثمن السلعة على ثمنها الحال.
ذهب الجمهور منهم الأئمة الأربعة على أن زيادة الثمن من أجل الأجل جائز، وبالتالي فإن هذا البيع صحيح.
وذهب زين العابدين علي بن الحسين، والناصر، والمنصور بالله، والهادوية، والإمام يحيى إلى منعه، وهو الذي يفهم من كلام أبي بكر الجصاص من الأحناف.
سابعا: أدلة المانعين:
استدل الفريق المانع.
أولا: بالكتاب وذلك قوله تعالى:} وأحل الله البيع وحرم الربا {.
¥