تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنّ تحقيق المخطوطات ـ أيّها الحِبُّ ـ فنّ قائم بذاته يستوجب مهارات معلومة في قراءة النّصّ والتّعايش معه، والتّفكير المضني في كلماته المشكلة القراءة، ومشاورة أهل الخبرة والفطنة في رؤاهم نحو الكلمات المشكلة، ثمّ طباعته طباعة تليق بنصوص أعلامنا، وتخريجه تخريجا علميّا وفهرسته بما يسرّ النّاظرين، وكلّ ذلك فعله أخوك ـ يا أبا الطّيّب ـ الذي عاين ـ علم الله ـ بَوَاقِعَ في قراءتك لنصّ الكتاب، وتصحيفات لا تحصى، وتحريفات لا تستقصى في جملة ما انتسخت من ذاك المجموع النّادر، لكنّ أخاك تغاضى عنها ـ وهي مقيّدة عنده وأبديها إن جاءت المناسبة ـ وكنتُ أقول: عين جمال هي عين أبي الطّيّب، فإذا قرأتُ الكلمة صحيحةً فكأنّ أبا الطّيّب قرأها كذلك، وما ترك أبو الطّيّب له فراغا أكملته عينُ أخيه جمال، وفاء منّي لمكانتك في قلب أخيك، خاصّة وأنّك نقلت نسخة من أصل رأيناه جميعا، فكنت أقول: زاغت عين أخي فقرأ خطأ وهي صواب في ذلك الأصل، فلا حاجة أن أضيع وقت القارىء في شيء لا يفيد، وأخوك الذي رميته أيّها الحبّ بما رميت ما فتىء ـ علم الله ـ يشيد بك ـ وينافح عنك، ويستغرب من فضلاء كبار وصالحين أخيار عتبوا عليه أن ذكرتك في مقدّمة تحقيقي للمبعث وخطبة المؤمّل مشيدا باسمك الكريم، ومنوّها بفضلك في انتساخ ما انتسخت، ونقلوا عنك أمورا ـ وهم العارفون بك المجاورون لك ـ، لم أرها مسوّغة لعدم الإشادة بفضلك في نسخ ما انتسخت.

فهذا ما سنح ببال أخيك أيّها الحِبُّ، وقد تأمّلتُ ما ذكرتَ في الملتقى الكريم " ملتقى أهل الحديث "، وتتّبعته فقرة فقرة، وبيان ذلك تفصيلا فيما يلي:

1 ـ قلت رعاك الله: " ذلك أنّه نشر نسختي التي بخطّ يدي دون طلب ولا إذن منّي، ولا أعلم كيف حصل عليها ".

وجوابي من وجوه أهمّها:

أ ـ أنّ أخاك لم ينشر نسختك بل نشر " خطبة الكتاب المؤمّل " اعتمادا على نسختين كاملتين إحداهما بخطّ عليّ بن أيّوب المقدسي العالم المشهور الذي لقّبه شيخ الإسلام ابن تيميّة بـ: " شيخ السّنّة "، والثّانية: بخطّك أيّها الفاضل وقد ذكرت ذلك في مقدّمة التّحقيق وصرّحت باسمك وقلت ص28 ـ بالحرف الواحد كما يقال ـ: " فوفّق الله الأخ الفاضل عبد الرّحمن حمّادو فقام بنسخ الكتاب على فترات متفاوتة ".

فكما حصل التّنويه بنسخة عليّ بن أيّوب المقدسي فقد حصل التّنويه بك أيّها الخِلّ، ونغبطك أن صرت ضمن النّسّاخ، واقترن اسمك باسم هذا العلم فصار يقال: نسخة المقدسي ونسخة الجزائري. وقد ترجمتُ للمقدسي كما جرت به عادة المحقّقين نحو نسّاخ الكتب، ولو تيسّر لي أن أعقد لك ترجمة حتّى ترضى ـ أيّها العزيز ـ لفعلتُ، فأفد أخاك بموجز ترجمتك العلميّة حتّى يدرجها أوّلا في ثبت أصحابه، وينوّه بك ـ ثانيا ـ فيما ينويه من نشر جديد للمبعث والخطبة.

ب ـ أنّ نسختك فرع عن أصل شاهدتُّه من فترة طويلة وأشدتُّ به أزمنة عديدة، ومرّ على ذلك حين من الدّهر وأنت لا تدري عن ذلك شيئا، فأيُّ الفريقين أسبق إن كنتم تعلمون، ومع ذلك فمحبُّك لا يقيم لمثل هذه الأسبقيّة وزنا، ويرى أن من توفّرت له أسباب الاهتمام بمخطوط ما، وكان فيه خدمة لتراثنا التّليد، وتحقيقا لهدف نبيل عالجه الكتاب، مع أهليته لخوض غمار التّحقيق، مع عزو الفضل لأصحاب الفضل، فليتوكّل على الله، وليمض قدما فيما توفّر له وتيسّر.

ج ـ وقولك ـ أيّها الفاضل ـ: " نشر نسختي التي بخطّ يدي " لو أبدلت كلمة " نشر " بكلمة: " بَشَرَ " لصدقت فيما قلتَ، ولكنتُ مُبْشِرَا للنّسخة مفسدا لها، كما أعدّك بارّا لو قلت: " نَشَزَ نسختي " فأكون ناشزا بها مبعدا لها أن تعتمد في التّحقيق، لكنّني ـ أيهّا الخلوق ـ صوّبتُ منتسختَك ونشرتُها مع أصل المقدسي سليمةً فيما أحسب ـ ولا أدّعي الكمال ـ، ونأيتُ عن ذكر ما ندّ به قلمك، وزاغ عنه بصرك، فأورث تصحيفا كثيرا، وتحريفا كبيرا، لا تسلم منه أعين شيوخ التّحقيق وأئمّته، فضلا عنّا معاشر طلبة العلم المساكين، الذين نحاول أن نهيّىء لأنفسنا عملا صالحا ـ بتحقيق هذه النّصوص ـ يبقى لنا ذخرا بعد الممات، إن شاء ذلك ربّ الأرض والسّماوات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير