ب ـ لم أستكثرها عليك ـ أيّها الفاضل ـ بل أخبرتك بسروري بعزمك على تحقيقها، وأشدتُّ بك في المقدّمتين.
ج ـ وقولك: " أو على كلّ أحد غيره " فأقحمتَ " كلّ " الدّالة على العموم، وزدتَّ على ذلك الإضافة، فأَغْرَقَت الجملةُ في دلالتها على العموم كما يقول أهل الأصول، ما بالك ـ يا أبا الطّيّب ـ تحشر في صفّك جنود الإنس كأنّك وإيّاهم في خندق واحد، قد وجّهت إليكم من العبد الضّعيف تهمة التّفكير في تحقيق: " خطبة المؤمّل "، ما هذا ـ يا رجل ـ اتّق الله في نفسِك، وراقب لسانك قبل ضمّك في رمسِك، واخش يوما تحاسب على ما سطّرت في طِرْسِك، ودعك ندّا لأخيك ولا تقحم فضلاء المحقّقين فيما تتخيّل وتتوهّم في رأسِك.
د ـ وقولك: " حتّى قفز إليها أيضا نسخا وتعليقا ونشرا! ".
جوابه أنّني قَفَرْتُ أثرَها في قفار البرواقيّة والفتنة قائمة، وخاطرتُ بنفسي والقفّازات على يدي أقلّب بهما نوادر ما أرى من كنوز الأعلام، وافتقرتُ من كثرة ما أنفقت من أجلها، وأصيب فقرات عظامي من جرّاء جلساتي " الماراتونيّة " في معاينتي تلك الأعلاق، وتألّمتْ عيناي من فكّ طلاسم فقرات السّطور، وضممتُ قبلك بكثير ـ يا مسكين ـ خطبة المؤمّل، وعشت معه ـ بعد اليأس من نشرتك ـ قرابة الحولين، نسخا وتعليقا ومقابلة وتخريجا وفهرسة إلى آخر ما رأيت في فقرات النّشرة، ثمّ فقرتنا ـ يا أبا الطّيّب ـ بهذه النّسرة، فنَسَرْتَ علينا جملة من الاتّهامات، ونثرت علينا شتائم متواليات.
10 ـ قولك ـ حفظني الله وإيّاك ـ: " ... بدافع المنافسة والشّره ـ على ما يبدو ـ ليكون قد نشر الجميع، واسمه إلى جنب اسم أبي شامة ".
وجوابه من وجوه أهمّها:
أ ـ أخوك لا ينافسك بل يناقشك لينقش في نفسك أنّه لا يدفعه إلى تحقيق ما تهيأت له أسبابه من نصوص تراث أعلامنا ما توهّمته من منافسته إيّاك، بل يسّر الله له الأسباب، فعمل على تحقيق الكتاب، فهلاّ أحسنت ظنَّك بأخيك وقلت: دفعه إلى التّحقيق حبُّه للتّراث ونشر ما يخدم الكتاب والسّنّة وآثار السّلف الأخيار، والعلماء الأبرار، ولعلّ المولى ـ بمنّه وكرمه ـ يتفضّل عليه بجوده وإحسانه، ومغفرته ورضوانه.
ب ـ لم تدرك ـ يا أبا الطّيّب ـ أنّ أهل اللّغة قالوا: نافس فلانٌ فلاناً في كذا إذا سابقه وباراه فيه من غير أن يُلْحِقَ الضّررَ به. هكذا قالوا في معاجمهم القديمة والحديثة. فأيُّ ضرر سبّبتُه لك يا محبّ من خلال نشر كتاب أبي شامة على ضوء نسخة العلاّمة المقدسيّ التّامّة الكاملة، ومنتسختك أنت عن الأصل الذي عاينتُه قبلك بمراحل، ولو ظهر الأصل لبطل فرعك وسقط ما كنتم تعملون.
ج ـ وترمي أخا لك في الإسلام بـ: " الشَّرَه " وأنت بمقلوب هذه الكلمة " الهَرَش " أحقّ وصفا، إذ هرشت وهذيت وهرفت، يقال في اللّغة: هَرِشَ فلانٌ هَرَشاً إذا ساء خُلُقُه. وقد عهدك إخوانُك قديما حسن الأخلاق، فإذا وصلك خبرُ محقّق من أهل بلادك هرشته واتّهمته وزعمت أنّك سابق في تحقيق ما فرغوا من طباعته، وادّعيت أنّهم نافسوك وسابقوك، وسرقوك وشرهوك.
د ـ وقولك: " على ما يبدو " شنشنة عرفناها، وزخرفة ألفناها، وحاصلها اتّهام بظنّ، والله يقول: " إنّ بعض الظّنّ إثم ".
هـ ـ وقولك: " ليكون قد نشر الجميع، واسمه إلى جنب اسم أبي شامة ".
أقول: يا أبا الطّيّب هداك الله وعِدَاك، وماذا في ذاك، إذ يوفّق الله إلى تحقيق المبعث والخطبة أخاك، الذي يتمنّى كسواك، أن تُحقّق كتب أبي شامة كالبسملة والسِّواك، على يد من تهيّأت له الأسباب في دنيا المتاعب والعِراك، وأنا قد حفظتُ لك ودّك وعُراك، وأشدتُّ بنسختك وقِراك، فما هو ـ أخيّ ـ مبتغاك!
و ـ وقولك: " واسمه إلى جنب اسم أبي شامة " أضحكتني والله يا حمادو، وسررتني حتّى جمّ الفُؤادُ، ألم تر أنّ اسمي تحت اسم الإمام أبي شامة، وليس بجنبه ولا كرامة، وهذه عادة من نشر التّراثَ فلا ملامة، وإنّ هذه لظاهريّة ما بلغها ابنُ حزم العلاّمة، ولو سلّمنا جدلا أنّ اسم أخيك كان قريبا من جنب أبي شامة أو جيبه أو حَنْبِه أو حيث كان، فأين مزاحمة العلماء بالرّكب، والجلوس بين أيديهم للاستفادة والطّلب، إنّ إنكار ذا لمن أعجب العجب، ثمّ تأمّلتُ فزالت الحجب، حين رأيتك ـ يا إنسان ـ قد صرّحت باسم أبي شامة المقدسي، وورّيت عن اسم أبي شامة الجزائري، بلديّك الأصيل، وجارك النّبيل، الذي
¥