تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

29 ـ وقولك: " ولكن إن لم تستح فاصنع ما شئت " أقول: صدقتَ وبررت، حين " كرطّتَ " و" بيّضت "، ونُصحت فأعرضت، ثمّ عوض أن ترعوي وتلتزم، وتهتدي وتحتشم، وتختفي وتنكتم، تلفّتّ يمينا وشمالا، ونويت حربا ونزالا، فوجدتّ المسكين جمالا، الذي لم يلتق بك سوى مرّة أو مرّتين، وذكرك بخير في النّشرتين، فرميته بأخلاق لم يتدثّرها سواك، وتهم تخيّلها عقلك وهواك.

30 ـ وقولك: " فما مثلك أيّها الدّكتور إلاّ كمثل هرّة سفيان الثّوري حيث قال فيها: كانت لنا هرّة لا تؤذينا، فلمّا ولدت كشفت القدور " أقول:

1 ـ وما مثلك أيّها المتهدّم الدُّعْثُور ـ ـ الحوض غير المتقن الصّنع والمنزل المتهدّم ـ، الشّاتم الزُّعْرُور ـ المرء سيّء الخُلُق ـ، الفازع من نشرتنا والمذعور، الحاسدها جدّا والمقهور، الرّاغب بأمثال السّوء في الظّهور، القائل عن إخوانه كلّ زور، إلاّ كمثل الكلب المسعور، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث جالسا أو في المرور، والنّابح في الوجوه والصّدور، الوالغ في الأواني والقدور، بريق واجب الغسل سبعا دون كسور، المعفّر آخرها بالتّراب للطّهور.

2 ـ شبّهتَ أخا لك في الإسلام بالهرّ، فشبّهناك دفعا للظّلم بالكلب أيّها الغِرّ، مع أنّ الأوّل من الطّوافّين علينا والطّوّافات في الرّوحة والإياب، طاهر في اللّعاب، وديع في الأبواب، نقيّ الجلد والإهاب، بينما الكلب غاد كالذّئاب، عاضّ بالأنياب.

3 ـ لقيتك في حياتي مرّتين أو مرّة، وذكرتُك بالخير غيبة وحضرة، وشرّفتُ اسمَك في تلك النّشرة، فقابلتنا بنسرتك الخَضْرة، الشّبيهة بزبالة سوق الخُضْرَة، وشبّهتنا بالهرّة، المحبوبة بالفطرة، فشبّهناك بما يُدرى، أنّه مُقلى ومُزرى، فما لك والهَدْرَة، والحزن والغَيْرَة، هلاّ استترت بالغُتْرَة، وأرخيت الذّقن في العُمْرَة، وأَسَلْتَ الدّمع والعَبْرَة، وفكّرت في العِبْرَة، وعملت للأخرى.

4 ـ كشفت المذكورةُ قِدْرَك، لتضع حقّا قَدْرَك، وتمنع قذرك، وتذكّرك بالغليان قبرك، فتراجع أمرك، وتكفّ عن الخلق شرّك، وتستر عن عيونهم بعرك.

31 ـ وقلت: " وأجد الآن مسلاة فيما أستحضره من قول أحد الشّعراء في مثل هذه الحال:

وإخوان حسبتهمُ دروعا ***** فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهم سهاما صائباتٍ*****فكانوها ولكن في فؤادي

وقالوا قد صفت منّا قلوب*****لقد صدقوا ولكن عن وداد ".

أقول: أخوك ذرعك فدرعك، وذكرك فشكرك، وخلّدك وشهّمك، وقلّبك وصفا لك، وودّك وصدقك، فذرعك قيء القبح فسببت، وآذيت واتّهمت، وزبرت وشكيت.

نعم لسنا دروعا للأعادي، بل سيوفا في الأيادي، محفوظة في الغماد، بارزة في الوهاد.

أمّا السّهام فما صوّبنا نحوك، إلاّ ما شدّ أزرك، وقوّى نحرك، ورفع نجوك، وربّ سهم في الفؤاد قوّاه، وشهم بالنّصح سوّاه.

وأمّا قلبي فقد صدقت وبررت، وما حنثتَ إذ قرّرت، أنّ قلبي صفا الآن عن ودادك، وخلا عن وصالك، وكيف لا يصفو عن ذلك، وقد نقطتَ بالظّلم الحالك، الكاشف عن حقيقة حالك.

وأجد الآن مسلاة فيما أستحضره من قول أبي الطّيّب المتنبّي، في أمثال أبي الطّيّب الكتبي:

إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه*****وصدَّقَ ما يعتاده من توهُّمِ

وعادى محبّيه بقول عُداتِه*****وأصبح في ليلٍ من الشّكِّ مظلمِ

32 ـ وقلت: " فكان ماذا؟! إجهاض علميّ وبسّ لا غير ".

وجوابه من وجهين:

1 ـ قول الشّاعر:

ومهما يكن عند امرىء من خليقة**** وإن خالها تخفى على النّاس تعلم

سبحان الله يأبى قلمك، إلاّ أن يفضح دخيلة قلبك، ومرارة حسدك، الذي تعاني منه تجاه المحقّقين من أهل بلدك، حين تسم جهد أخيك في تحقيق ما حقّق إجهاضا تراثيا، رغم الجهد الواضح المبذول بشهادة أهل العقل والإنصاف، لا سفاهة أهل الغلّ والإجحاف.

2 ـ لقد أفضتُّ القولَ حول ظاهرة إجهاض التّراث في الورقة المشار إليها من قبل، وأبنت أنّ التّريّث والتّثبّت والتّصحيح والمراجعة والتّعايش الطّويل والتّأكّد والمقابلة المتكرّرة كلّ ذلك وغيره ضروري قبل إخراج النّصّ المخطوط، وحذّرتُ من ظاهرة إجهاض نصوص أعلامنا وأثرها في تشويه جمالها ورونقها. ومع ذلك يبقى النّقص ملازما لأعمال البشر مهما بذلوا وصقلوا وعملوا، وصدق الشّافعي حين قال: " أبى الله أن يتمّ إلاّ كتابه ". وما عملته في تحقيقي للخطبة ليس إجهاضا يا مسكين، فقد عشت مع الكتاب مدّة طويلة، باحثا وقارئا ومستفيدا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير