وناسخا ومقابلا ومراجعا ومصفّفا، فانتفت عنه علّة الإجهاض، وثبتت له صفة الإنهاض، لكنّها ورّثت في نفسك ـ أيّها الخامل الذّكر، الحامل النّكر ـ جملة أمراض، لا شفاء منها إلاّ بترك الحسد، والإقبال على الله الفرد الصّمد، والفرح والنّصح والغبطة بما نشره أهل البلد.
33 ـ وقلت: " هلاّ تأدّب هؤلاء ومن على شاكلتهم بما يقرؤون عن سلفنا كالإمام الشّافعي رحمه الله تعالى حين قال: وددتُّ أنّ النّاس تعلّموا هذه الكتب ولم ينسبوها إليّ. وفي رواية: وددتُّ أنّ كلّ علم أعلمه تعلّمه النّاس أؤجر عليه ولا يحمدوني. وفي أخرى: وددتُّ أنّ النّاس نظروا في هذه الكتب ثمّ نحلوها غيري ".
جوابه من وجوه أهمّها:
1 ـ الذين تشير إليهم وأمثالِهم، من أشدّ النّاس تقيّدا بحِكَم العلماء وأمثالِهم، ولو تأدّبتَ وأشكالَك، وتخلّقتَ وأشباهَك، بما قرّره العلماء، وزبره الحكماء، لحمدتَّ صنيع من شكرك، ودعا الله أن يوفّقك.
2 ـ وتقيس نفسك بالإمام الشّافعي، وأنت شاق وعيّ، غير مشفيّ من كلّ غيّ، وتعدّ فرعك الذي انتسخت، مشابها لتصنيف عالم وما دريت، أنّ تلك النّسخة، صارت بتصحيفاتك مسخة، وتحريفاتك سلخة، وأذاك شلخة، ومنّك " كلخة ".
3 ـ تأمّل ـ يا رجل ـ في قول الإمام: " وددتُّ أنّ النّاس تعلّموا هذه الكتب ولم ينسبوها إليّ "، ونحن أصلَ شيخ السّنّة اعتمدنا، وبفرعك استأنسنا، وإيّاك في المقدّمة ذكرنا، وإليك النّسخةَ نسبنا، وفي المهاتفة بيّنّا، أنّا مقبلون على التّحقيق من قديم فصدقنا، وشكرناك ومدحنا، ونسخة شيخ السّنّة منحنا، وبالثّواب لك ولنا دعونا.
4 ـ وتأمّل ـ يا أبا الطّيّب ـ قوله في الرّواية الأخرى: " وددتُّ أنّ النّاس نظروا في هذه الكتب ثمّ نحلوها غيري "، فهل تحسب نفسك ألّفت كتابا بالانتساخ، وشعرت حينها بعلوّ الجناب والانتفاخ، وظنتت بلوغك مرتبة النّفّاخ، هل نسيت أنّك مجرّد كتبيّ لا راح ولا ناخ، ولا ساح ولا شاخ، وإن سلّمنا فهل غيرَك نحلنا، كلاّ فإنّا باسمك صرّحنا، ودعونا ورجونا، فسببتَ وعجبنا، وسخرتَ فصبرنا، حتّى فرّخت في الملتقى، واتّهمتَنا بالسّرقة، فخذ منّا الفَلَقَة، واشرب بعد ذاك مرقة، وقهوةً بملعقة، و" إبْسَةً " مرقّقة.
34 ـ وقلت: " إذ لم يكن قصده رحمه الله ورضي عنه ـ كما قال أبو شامة ـ من وضع الكتب وتسييرها في النّاس إلاّ أن يفهموها، تبرّءا إلى الله تعالى من حوله وقوّته ".
وهذا من جمال فهمه، وكمال علمه، وشدّة إخلاصه، وابتغائه ثواب الله وسلامة خلاصه، وهو محض توفيق من الله لأهل العلم الأخيار، نقلة السّنّة والآثار، البارئين من حولهم، المكرمين من حولهم، الجاعلينهم إخوانهم، فهم ألّفوا الأسفار، ونحن الضّعفاء قطعنا القفار، وطوّلنا في الأسفار، ونشرنا ذرّةً من تلك الآثار، وبرئوا رحمهم الله من حولهم وقواهم، وبذلك قفيناهم، فأين الاقتداء ـ يا حمادو ـ بسيماهم، وماذا وضعت من كتب ليراها، أهل النّقد والنّباهة.
35 ـ وقلتَ: " وقد كان غير ملتمس بها ذِكْرا، ولا في الدّنيا شرفا، وعلى هذا أهل العلم قرنا بعد قرن ". قلتُ: وبهذا أقول، وأرفع صوتي وأجول، وأعدّ تحقيق التّراث مع الإخلاص وقصد نشر العلم عبادة، لا يجوز التماس الذّكر بها والرّيادة، أو حصول الشّرف والقيادة، وعلى هذا درج أهل العلم والفنون، في سنين وقرون، فأين الإشكال يا حمادو الجزائر، ولماذا سوء الظّن بالسّرائر، ورمي الرّفاق بالجرائر.
36 ـ وقلتَ: " فيا أيّها الدّكتور النّاشر (جمال عزّون) ".
أقول: مت بغيظك أيّها الموتور النّاشز، عبد الرحمن حمادو العاجز.
37 ـ وقلتَ: " اتّق الله فيما تنشر، إن كان لك وازع من التّقى ".
جوابي من وجوه:
1 ـ جعلنا الله وإيّاكم جميعا من المتّقين، الخائفين من ربّهم والوجلين، السّالكين سبيل محمّد صلّى الله وسلّم عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، المقتفين آثار السّلف الصّالحين، المخالفين لهدي الكفّار والفسقة من الأوّلين والآخرين، المحافظين على صلواتهم في الصّفوف الميامين، المحبّين لإخوانهم كلّ الخيرات والمسرّات، الكارهين لهم المضرّة والإساءات.
2 ـ تقوى الله في عمليّة النّشر يمكن حصرها في أمور أمثلها ما يلي:
¥