وقد تبين لهم وفقهم الله أن خطورة الأمر تكمن في نسبة هذا الفكر السقيم والمذهب الردي ـ الإرجاء ـ إلى أهل السنة والجماعة فوجب درء الفتنة عن أهل السنة، بوقفةٍ صادقةٍ حيال ذلك، مع عدم إغفال الطرف الأخر وهو فكر الخوارج الحرورية،وما أكثر أذنابهم في هذا الزمان،وللأسف فإن الأجيال القادمة ستدفع ضريبة باهظة حين تستشري تلك الأفكار،وتجد من يروج لها في بلاد الإسلام، فيخرج جيلٌ بإسلام غير الإسلام،وسنة غير السنة، ودعوة غير الدعوة.
ومن المعلوم أن الإيمان ذو ثلاثة أركان وشُعبٍ كثيرة، وأركانه التي يقوم عليها بنيانه، الاعتقاد والقول والعمل،وهي في المرتبة سواء فعدم العمل كعدم القول، وعدم القول كعدم العمل بلا فرق.
وكما أنه لا خلاف أن من لم يأت بالقول ليس بمؤمن، ـ إلا من عذر ـ ولو أتى بالعمل فكذلك لا خلاف أن من لم يأت بالعمل فليس بمؤمن، ولو أتى بالقول.
فمن أنزل مرتبة العمل عن مرتبة القول، بأن زعم حصول نجاة من لم يعمل من شرائع الإسلام خيراً قط () مع قدرته على العمل، و عدم وجود المانع، فقد غلط، وقوله هذا يلتقي مع المرجئة في أصل مذهبهم تماماً وهو إعراضٌ عن أكثر من ستين موضعاً من الآي الحكيم وعن الإجماع المنعقد بين أهل السنة والجماعة.
و لا أحسب نفسي أنني قد أتيت على الموضوع من جميع جوانبه، ولكن حسبي أنني حاولت إبراز معالمه.
واعلم أخي القارئ الكريم أن ما تقرأه هنا جهد المقل، معرض للخلل، وأن الإنسان مهما اجتهد فإن صفة النقص من لوازمه.
يقول ابن القيم رحمه الله: ((فيا أيها القارئ له والناظر فيه، هذه بضاعة صاحبها المزجاة مسوقة إليك، وهذا فهمه وعقله معروض عليك، لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه،ولك ثمرته، وعليه عائدته. فإن عدم منك حمداً وشكراً، فلا يعدم منك مغفرة و عذراً، وإن أبيت إلا الملام فبابه مفتوح ())).
وبقدر ما لقي الكتاب في طبعته الأولى قبولاً ورواجاً بين طلبة العلم، إلا أن لبعضهم منه مواقف مختلفة لأغراض شتى، لن أجد أبلغ في وصفها وتصويرها من كلام الإمام أبي محمد بن قتيبة (ت:276هـ) حين قال رحمه الله: ((وسيوافق قولي هذا من الناسِ ثلاثة:رجلاً منقاداً سمع قوماً يقولون، فقال كما قالوا، فهو لا يرعوي ولا يرجع، لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بنظر!.
ورجل تطمح به عزّة الرياسة وطاعة الإخوان وحبُّ الشهرة، فليس يردُّ عزّته ولا يثني عنانه إلاّ الذي خلقه إن شاء!؛ لأنّ في رجوعه إقراره بالغلط واعترافُه بالجهل، وتأبى عليه الأَنَفَة!!.
وفي ذلك ـ أيضاً ـ تشتُّتُ جمعٍ وانقطاعُ نظامٍ واختلافُ إخوانٍ عَقَدَتْهُم له النِّحلة، والنفوسُ لا تطيب بذلك إلا من عصمه الله ونجّاه!!.
ورجلاً مسترشداً يريد الله بعمله، لا تأخذه في الله لومةَ لائم، ولا تدخله مِنْ مُفارقٍ وحشة، ولا تلْفِتُه عن الحقِّ أنَفَة، فإلى هذا بالقول قصدنا وإياه أردنا ())).
وفي الختام أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من أسدى لي النصح والتوجيه، و هاهي الطبعة الثانية حاولت قُصَارى جَهدي أن أتمم النقص والتقصير وأن اقتصر على صلب الموضوع بلا استطراد، و الله أسأل أن يجعل هذا الكتاب خالصاً لوجهه الكريم وهو حسبي ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خطة البحث وهي على النحو التالي:
توطئة: واسيطية أهل السنة بين الإفراط والتفريط.
الباب الأول: نشأة المذاهب.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: أقوال الطوائف في تعريف الإيمان.
الفصل الثاني: عرض أصل الخلاف في مسائل الإيمان.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أصول ضلال الفرق في مسائل الإيمان.
المسألة الثانية: ما ترتب على أصولهم الفاسد.
الباب الثاني: دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
وفيه أربع فصول:
الفصل الأول: أدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
الفصل الثاني:زيادة الإيمان ونقصانه.
الفصل الثالث: منزلة عمل القلب من الإيمان.
الفصل الرابع: منزلة عمل الجوارح من الإيمان (وحكم تارك جنس العمل).
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:أقوال أئمة السلف في ذلك.
المسألة الثانية:ارتباط الظاهر بالباطن والعلاقة بينهما.
الباب الثالث: الاستثناء في الإيمان والإسلام.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قول المرجئة في الاستثناء والرد عليهم.
¥