وبنى له نور الدين محمود بن زنكي أمير الشام دار الحديث بدمشق ووقف عليها وقفاً تصرف غلته إلى المشتغلين عليه بالحديث فيها.
وكان موفقاً في أفعاله وتصنيفه.
حدثنا عنه أبو جعفر أحمد بن علي القرطبي بمكة، وغيره.
وذكره تاج الإسلام أبو سعد بن السمعاني في كتابه الذي كتابنا هذا مذيل عليه فوصفه بالفضل والحفظ والإتقان، وروى عنه فيه الكثير. وذكرناه نحن لأن وفاته تأخرت عن وفاة ابن السمعاني على ما شرطناه.
حدثنا أبو جعفر أحمد بن علي بن عتيق المغربي لفظاً بالمسجد الحرام في حجتنا الأولى سنة تسع وسبعين وخمس مئة، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر قراءة عليه بدمشق، قال: أخبرنا أبو الحسن مكي بن أبي طالب البروجردي بقراءتي عليه بمنى (109)، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الصيدلاني بنيسابور، قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال، قال: حدثنا يحيى بن الربيع المكي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نبيه بن وهب، عن أبان بن عفان، عن عفان فبلغ بها النبي (قال: "لا تنكح المحرم ولا تخطب".
أنبأنا أبو المحاسن عمر (110) بن علي القرشي الدمشقي، قال: سألت الحافظ أبا القاسم بن عساكر عن مولده فقال: في محرم سنة تسع وتسعين وأربع مئة. وتوفي في حادي عشر رجب سنة إحدى وسبعين وخمس مئة.
وقال غيره: في ليلة الاثنين، وصلي عليه يوم الاثنين، ودفن عند أبيه وأهله.
ثالثاً:
وقال ابن النجار البغدادي (111):
علي بن الحسين بن هبة الله بن الحسين، أبو القاسم بن أبي محمد بن أبي الحسين الشافعي، عرف بابن عساكر.
من أهل دمشق.
هو (112) إمام المحدثين في وقته، ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان، (والمعرفة التامة بعلوم الحديث والثقة والنيل وحسن التصنيف والتجويد) (113) وبه ختم هذا الشأن.
روى (114) عنه جماعة وهو في الحياة وحدثوا عنه بالإجازة في حياته.
سمع بإفادة أخيه الأكبر في سنة خمس وخمس مئة من أبي الحسن بن الموازيني (115)، وأبي القاسم النسيب (116)، وأبي الوحش سبيع بن قيراط المقرئ، وأبي طاهر الحنائي (117). وسمع هو بنفسه من والده، وأبي محمد ابن الأكفاني (118)، وأبي الحسن بن قبيس (119)، وطاهر بن سهل الإسفرايينيّ (120).
وحج في سنة إحدى وعشرين. وسمع بمكة أبا محمد بن الله (121) بن محمد بن اسماعيل المصري.
ورحل إلى العراق في سنة عشرين. وسمع الكثير ببغداد من ابن الحصين، وأبي الحسن الدينوري، وأبي العز بن كادش، وأبي القاسم الحريري، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، في آخرين. وسمع بالكوفة الشريف أبا البركات عمر (122) بن إبراهيم الزيدي.
وعاد إلى بغداد فأقام بها يسمع الحديث والفقه والخلاف بالمدرسة النظامية (123)، ويكتب ويحصل خمس سنين. ثم عاد إلى دمشق.
ورحل إلى خراسان على طريق أذربيجان، ودخل نيسابور في سنة تسع وعشرين، وسمع أبا عبد الله الغراوي، وأبا محمد السيدي، وزاهراً الشحامي، وأخاه وجيهاً. وبمرو من يوسف (124) بن أيوب الهمذاني. وسمع ببسطام، ودامغان، والري، وزنجان، وسمنان.
وعاد إلى دمشق يملي، ويحدث، ويصّنف.
وسمع منه جماعة من شيوخه.
وكان إماماً، حجة، ثقة، نبيلاً.
حدث ببغداد، وروى عنه من أهلها أبو بكر بن كامل، وكان أسن منه (125).
قال سعد الخير (126): ما رأينا في سن الحافظ أبي القاسم مثله، وله من المصنفات: التاريخ. الإشراف على معرفة الأطراف. المعجم، لا سيما شيوخه. الموافقات عن شيوخ الأئمة الثقات، اثنان وسبعون جزءاً.
قلت: وأملي أربع مئة مجلساً في جامع دمشق، وكان يختمها بأبيات من شعره. ولقد سمعت شيخنا عبد الوهاب (127) بن علي الأمين يقول (128) كنت يوماً مع الحافظ أبي القاسم بن عساكر وأبي سعد بن السمعاني فمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ، فلقينا شيخاً فاستوقفه ابن السمعاني ليقرأ عليه شيئاً، وطاف على الجزء الذي هو سماعه في خريطته (129) فلم يجده وضاق، فقال (130) له ابن عساكر: ما الجزء الذي هو سماعه؟ فقال: كتاب "البعث والنشور" لابن أبي داود، سمعه من أبي النصر ابن النرسي (131)، فقال له: لا تحزن. وقرأ من حفظه، أو بعضه. الشك من شيخنا.
¥