تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقد أخذت جامعة الملك عبد الله بأعظم أسباب القوة التي أمرنا الله بالإعداد لها فكيف أصبح الواجب والفضل مأخذا.

هنا نقف مع من ضاق بهم الأفق فأخرجوا من إرثنا الإسلامي هذه العلوم المادية فنقول: إن ذلك إرث أسسه علماء هذه الأمة آخذين بسنن الله الكونية التي جعلها الله تعالى موصلة لأسرار حكمته في الكون وسلما لعمارة الأرض وخدمة البشرية والدين، مستجيبين في ذلك لحث الله على العلم كله بقوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وبقوله سبحانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب).

خلط واصطلاح متأخر

بهذه المناسبة سأتطرق في حديثي هنا عن «الاختلاط» الذي صار فيه الكثير من الخلط في اعتباره من المصطلحات الفقهية المعهودة في بحوث الفقهاء. والحق أن مصطلح الاختلاط بهذا الاصطلاح المتأخر لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم؛ لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه، بل كان الاختلاط أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها.

إن استعمال الفقهاء لعبارة الاختلاط لا يعدو استخدامهم لمفردات المعجم العربي مثل: أخذ، وأعطى، ولذلك لو بحثت عن مصطلح الاختلاط بهذا المعنى المستحدث لم تجده عندهم، كمصطلح: «الخلوة، والنكاح، والطلاق، والرجعة» كما عليه بقية مصطلحات أهل العلم مثل: البيع، والربا، والسلم، والعرايا، وغيرها، وكالمصطلحات المعاصرة التي يمكن قبولها وإدخالها في المعجم الفقهي ضمن نوازله مثل: «التأمين، المرابحة، السندات، بدل الخلو، الحق المعنوي إلخ ... »، لكن بعض المتأخرين لما بالغ في موضوع اختلاط النساء بالرجال وصار اللفظ المعاصر ينصرف إليه بإطلاق، تولد ذلك المصطلح الدخيل المتأخر، فغالط به من لم يميز أو من أراد التلبيس، ومثل ذلك لو بالغ الناس في التحذير من جلوس النساء والرجال ولو كان لمصلحة أو عادة، ولا خلوة ولا ريبة فيه، فتولد من كثرة دوران ذلك اللفظ تحذيرا وزجرا مصطلح: «القعود»، كما تولد مصطلح: «الاختلاط» مثلا بمثل، ولهذا خطورته متى ألصق بعلوم الشريعة، وفيه مد سلبي على تراثنا الفقهي متى أعطي مزية المصطلحات، فإن ذلك يعني إعطاءه هوية غير معهودة عند أهل العلم والفقه، قد يلتبس بذلك الحق بتقادم الزمان عليه كما حصل الآن في مصطلح الاختلاط.

وقد يتعاطى معه البعض مندفعا من خلال التفاعل معه بعجلة مسلما به كأنه أحد المصطلحات المعهودة دون تمييز.

ولاشك أن تمييز ذلك يتطلب دقة وفحصا، وسنجد عناء في إيضاح ذلك اللبس حينذاك كما هو حاصل الآن في إيضاح أن الاختلاط بهذا المعنى المعاصر دخيل على المصطلحات الفقهية المعهودة عن الفقهاء.

لذلك لما ذكرت بعض الموسوعات الفقهية المعاصرة الاختلاط في قاموس ألفاظها، لم تستطع أن تشير إلى أن من معانيه اختلاط النساء بالرجال، بل ذهبت إلى معان أخرى: في الزكاة، والحيوان، والسوائل، وألمحت إلى معناه في مصطلح الحديث.

نظرة وسطية

لقد أجاد الأستاذ الدكتور جاسم المشاري رئيس لجنة الفتوى بمنتدى السلفية في أوروبا، في لقائه الحافل الذي نشر في جريدة الجزيرة يوم السبت 19 ذو القعدة 1430هـ، العدد (13554) وكان تعليقه علميا حقا ومؤصلا ندر في شموله مثله لمن تناول الموضوع بنظرة وسطية بارعة وعبارة مختصرة قارعه.

وعلى أي حال فليس في الكلام على موضوع طروء مصطلح الاختلاط إلا وضع الأمور في نصابها من أن الاختلاط بهذا المعنى المعاصر مصطلح طارئ غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه، أما ما يتعلق بجواز الاختلاط من عدمه فمرده إلى الأدلة الشرعية، وهذا ما يعنينا على وجه التحديد هنا بصورة أكبر.

ولذلك كان الخلط في حكمه أكثر جناية حين قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه، وهو قدوتنا في امتثال التشريع في كل شؤون الحياة المختلفة، والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير