خاطرة أمام قبر صلاح الدّين الأيّوبيّ
ـ[نعيمان]ــــــــ[08 May 2010, 03:06 م]ـ
http://sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash1/hs514.ash1/30291_108943085814521_100000964909954_50463_579550 2_n.jpg
وقفت أمام هذا النصب الموشّى بالرّخام
لم يدر بخلدي إنكار عمل الجهّال ورفع القبر وبهرجته
لأنّي على يقين أنّ الّذي بداخل القبر -لو- بعث حيّاً لبدأ بقتالهم قبل الالتفات للمسجد الأقصى!!
حاولت تجفيف دموعي وإيقاظ يراعي؛ ولكنّ مدادي أبى إلا نكران الأوزان،
وإخلاد القافية بالسّكون، وجرّ مبتدأي، وجزم فعلي أمام قبر صلاح الدّين ..
حيّ أمام ميّت .. أو ميّت أمام حيّ .. كنّا في نقيض ..
يا ربّ حيّ رخام القبر مسكنه ... وربّ ميّت على أقدامه انتصبا
لم يكن بإمكاني إلا سكب الدّموع تلو الدّمع
فأنا الآن أمام تاريخ حافل، أمام معارك دامية، أمام فاتح بيت المقدس ..
هيه يا صلاح الدّين .. هل أحدّثك عنّا؟
هل أنت بشوق لمعرفة حال أحفادك؟؟
أعلم يقيناً أنّك ميّت ولن تملك لي شيئاً
ولكن ما أنا فيه من آلام وجراح في زمن تقنية الفضاء، ولغات البرمجة، والهندسة العصبيّة؛
لا يفيدني بشيء من كلّ ما زعموا؛ سوى الحديث مع شخص يفهمني.
ومن هذا الشّخص؟
لم أجد -رحمك الله- إلا القائد البطل صلاح الدّين الأيّوبيّ ..
سأتحدّث إليك .. وقد يظنّ المارّة أنّي أخاطب حجارة مصفوفة
وربما هذا صحيح؛ ولكن هو خطاب من ميّت -أنا- إلى حيّ -أنت-!!
خطاب من "المغلوب والعياذ بالله" إلى "الغالب بأمر الله"
أيّها القائد المظفّر .. أتعرف أين قبرك؟
قبرك على بعد بضعة كيلو مترات من أحد المراقص والملاهي الليليّة!
أنت في دمشق العشق ..
الّتي قال فيها أبو العشّاق "نزار قبّاني" أجلك الله عن ذكره:
فرشتُ فوق ثراك الطّاهر العتبا ... فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
أنا أيّها القائد المظفّر أتيت من أميال بعيدة فلم أصدّق أنّ قبرك هنا!
أحفادك من حولك وفي كل البلاد الإسلاميّة -إلا من رحم الله-
بحاجة إلى صلاح أنفسهم قبل عودة صلاح الدّين!!
وكأنّي بك تسألني عن بيت المقدس!
بيت المقدس
وبيت حانون
وبيت شيمش
وعكا
وحيفا
ويافا
كلّها بيد اليهود!!!
لا تعجب! فأنا أشدّ عجباً منك يوم أن أخذت في المدرسة أنّها كانت إسلاميّة
لأنّي منذ ولادتي وهي بأيد اليهود، بل منذ ولادة أبي!!
دماؤكم المراقة هناك ردمنا عليها التّراب!
تاريخكم الّذي سطّرتموه أغلقنا عليه الكتاب!
نتغنّى بك في شعرنا ونندب تلك الأيّام ..
ولكنّا لم نخط خطاك برفع الحسام ..
ما أكثر اسم "صلاح" في عالمنا ..
ولكن ينقصه الصّلاح ..
لم يعد ريتشارد قلب الأسد ولا غيره عدوّاً لنا. لا أبداً ..
بل لدينا من أبنائنا من هم أوفى لأعادينا من أعادينا!!
لكن لدينا بديل عن قلب الأسد!
لدينا كلب المسد: توني بلير ..
وابن حمّالة الحطب: جورج بوش ..
والأسود العنسيّ: باراك أوباما ..
أما صلاح الدّين
فلدينا صلاح السّعدنيّ، وصلاح قابيل، وصلاح البحر، وصلاح غالي، وغيرهم كثر!
وهل تعقم أمة أعظم نسائها هيفاء وهبي ونانسي عجرم؟
أيها القائد المظفّر ..
لم يعد لدينا زنكي، ولا ناصر الدّين، ولا العبّاسيّون، ولا الأيّوبيّون، ولا غيرهم ..
لدينا جامعة من الدّول العربيّة منذ ستّين عاماً وهم يتفاوضون حول عودة المسجد الأقصى ..
وخلافهم بسيط جداً:
فالأمر لا يتعدّى كونه شيئاً يسمّونه حرّيّة أديان، أو مثل ذلك ممّا لا أفهمه من مصطلحاتهم!
الشّيء الوحيد الذي أفهمه أنّ فلسطين لن تتحرّر بجهودهم ..
مصر؟؟ أو زلت تذكر مصر؟؟
مصر كما هي مصر غير أنّ أمصارها لم تعد أمصارنا ..
لا تطلب تفسيراً فهي كذلك ..
قف رحمك الله ..
لا تسلني عن مسقط رأسك؟
رحم الله العراق ورحم حال الأكراد وأحسن الله عزاءنا في بغداد ..
أيّها القائد المظفّر ..
لم أجد في زمني من نعظمه سوى لاعب حليق صفيق أظهر ساقيه متملّق متعرّق!
أو مغنّ مائع ضائع غير نافع!
أو ممثّل فاسق منحلّ منافق!
ثم نبكي على القدس عند قبرك وقبر خالد بن الوليد
ونزعج صمتكما بقصائدنا الفقيرة الخالية من الصّدق ..
وكما قال أحمد مطر:
دعوا صلاح الدّين في ترابه واحترموا سكونه
لأنه لو قام حقاً بينكم
فسوف تقتلونه
وكأنّي به صدق ..
فلو تخيّلنا أنّك قمت الآن واتّجهت إلى القدس محرّراً
أو للعراق منقذاً
أو لخراسان فاتحاً
أو للأندلس معيداً
فإن نجوت من رصاص العدوّ فلن تنجو من معتقلاتنا!!
رحمك الله أيها القائد المظفّر ..
لعلّي لطخت بياض تأريخك بسواد حاضرنا ..
ولكن هي خواطر مسافر مرّ على قبرك ..
فإن أحياني الله وأقرّ عيني بفتح المسجد الأقصى سأروي لأحفادي قصّتي معك ..
وإلا سيروي أحد أحفادي لأحفاده قصّة مشابهة له معك ..
والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته
حفيدك
.. مروان الزحيفي.
خاطرة لا يعني نقلها الاتّفاق مع صاحبها في كلّ ما ذكره، أو بأسلوبه الشّديد الّذي استخدمه.
وبخاصّة ونحن نعيش في زمن الانبطاح؛ إذ ما كان قبل ثلاثة عقود رخواً هو اليوم شديد، وما هو اليوم انبطاحاً فهو قمّة الاعتدال والتّعقّل.
اختلطت الأمور على النّاس؛ وكما قالت العرب: اختلط الحابل بالنّابل.
فكلّ يأخذ منها ما يتوافق مع مشربه بلا نكير.
¥