تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عمر الخيام المفترى عليه]

ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[13 Apr 2010, 09:17 ص]ـ

[عمر الخيام المفترى عليه]

بقلم:

أ. د. بكري شيخ أمين

عضو اتحاد الكتاب العرب

عضو اللجنة العالمية للغة العربية

في كثير من بلاد العالم فنادق ومطاعم وملاه ومراقص تحمل اسم

(عمر الخيام)، وغالباً ما تكون هذه المواطن أمكنة للعبث، والانحراف، والإثم، والمحرمات .. كأن صاحبها يشير ـ بشكل خفي ـ إلى العلاقة الوطيدة بين هذه التسمية وسلوك الخيام وآرائه .. أو كأن صاحب هذا الملهى لم ير تسمية موحية بالانفلات والانحراف أفضل مما يوحيه اسم (عمر الخيام) في الشرق أو في الغرب.

ويقف الباحث أمام هذه الظاهرة مستغرباً، متعجباً، مندهشاً، ويتبادر إلى ذهنه أن عمر الخيام يُضرَب به المَثَل في تعاطي السرور والخمور والفجور، وأنه ـ طوال حياته ـ ما كان يبالي بجنة أو نار، أو حساب أو عقاب، وإنما كان أبيقورياً يغتنم الساعة التي هو فيها .. وبعدها فليكن الطوفان .. ولولا ذلك ما اختاره صاحب الملهى الليلي، أو المقهى، أو الحانة عنواناً.

اعتقد بعض المسلمين أنه إباحي، وأنه مستهتر بأحكام الإسلام وتعاليمه، كما اتهمه بعض آخر بأنه دُهري، وزعم بعضهم أنه تناسخي، وقال آخرون فيه أقوالاً ما أنزل الله بها من سلطان. منها: أنه باطني، أو لا أدري، أو تشاؤمي، أو جبري، أو معري .. وادعى باحث أخيراً بأنه ثائر على كل شيء، على الدين، وعلى الأخلاق، وعلى العقل أيضاً.

ويزيد هذه الظنون والافتراءات تأكيداً وتثبيتاً انتشار آلاف الكتب في شتى لغات العالم، فيها أشعار منسوبة إلى عمر الخيام، تدعى بـ (الرباعيات) كثيراً ما تكون ـ هذه الرباعيات ـ مطبوعة على ورق صقيل فخم، في كل صفحة رباعية واحدة في عدة لغات منها: الفارسية والعربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والأوردية والإسبانية ومعظم لغات العالم، وفي الصفحة المقابلة صورة رمزية لرجل عجوز، طاعن بالسن، أشيب الشعر، لحيته تغطي نصف صدره، وأمامه غادة حسناء، غراء، فرعاء، مصقول عوارضها، تسكب من كوز بيدها خمراً في كأس، وتقدمه إلى العجوز .. وبيدها الأخرى آلة طرب .. وفي إطار الصورة طيور وبلابل، وزهر وعنادل، وأشجار وأثمار ..

ويظن القارئ أن هذا العجوز نفسه هو عمر الخيام، وأن حياته محصورة بكأس، ودن، وحسناء، وغناء. وليس لهم في ذلك دليل إلا تلك الرباعيات التي نسبوها إلى شخصيته، وظنوا أنها من الحكيم عمر الخيام ومقولاته وآثاره، وفلسفته وحكمته التي نسجها بقريحته، فكانوا يحكمون عليه ما يحكمون مستندين إليها ومعتمدين عليها، كأن تلك الرباعيات وصلت إليهم منه بسند صحيح، متصل، لا يبقي وراءه أي شك، ولا يذر دونه أي تردد.

والغريب في الأمر أن كتب الرباعيات منتشرة في كل مكتبات العالم، وهي في طبعات لا تكاد تحصى، وفي لغات الدنيا قاطبة .. وكثيراً ما تختلف رباعيات طبعة عن أخرى في اللغة ذاتها، أو في اللغات المختلفة. وليس من المستغرب أن يتجاوز عددها في شتى الطبعات ألفي رباعية، أو يزيد.

???

ويقف الباحث المدقق متسائلاً: أصحيح أن عمر الخيام، الفارسي، المسلم، كان رجلاً متهتكاً، سكيراً، وعربيداً .. أمضى حياته كما يصورون ويزعمون؟

أصحيح أنه نظم هذه الآلاف المؤلفة من الرباعيات الصارخة بالمجون والمعصية والفجور؟ بل كيف انتقلت هذه الأشعار الفارسية المحلية إلى معظم لغات العالم، ومن الذي نقلها، ونشرها، ورسمها، وزينها، وأرخص ثمنها؟

ويعود الباحث إلى مراجعه، وكتب التراجم، يستقصي سيرة عمر الخيام ويستوضح شخصيته، ليعرفه على حقيقته، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنه.

يبدأ بقراءة سيرة هذا الرجل، فيرى أن اسمه: عمر، وكنيتَه أبو الفتح، ولقبَه غياث الدين، ووالدَه إبراهيم النيسابوري، وشهرتَه: الخيام، أو الخيامي، لاشتغاله بصنع الخيام.

اتفق أكثر المؤرخين على أن عمر ولد في نيسابور من أعمال خراسان في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري ـ العاشر الميلادي، وتوفي قبيل انتهاء الربع أول من القرن السادس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي. ويحدد خير الدين الزركلي في كتابه " الأعلام " وفاته بسنة 515هجرية، الموافقة لسنة 1121للميلاد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير