تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قصة قصيرة تصلح لأبنائكم]

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[05 May 2010, 09:37 م]ـ

[قصة قصيرة تصلح لأبنائكم]

تأليف تيسير الغول

الولد القدوة

كان أحمد يعيش في قرية نائية بعيدة عن المدينة وكان عمره لا يتجاوز الأربعة عشر عاماً. ولكن أحمد رغم صغر سنه فقد كان يواظب على المسجد بشكل دائم وكان في القرية مسجد وحيد يبعد عن بيته كثيراً.ومع ذلك فقد كانت لا تفوته صلاة إلا جماعة في ذلك المسجد البعيد.

كان أحمد يتيم الأب ولكن أمه كانت تربيه على الإيمان والتقوى والصدق والأمانة وكانت تشجعه على الصلاة في المسجد، ولم تكن تمنعه رغم أنها كانت تخاف عليه أن يذهب لصلاة الفجر وحده. لأن المسجد بعيد وتخاف عليه من الكلاب والضواري.

مرت الأيام وكان أحمد يزداد تعلقاً في المسجد وكان تعلقه أشد لصلاة الفجر الذي كان يصليها جماعة في المسجد البعيد حيث كان يلتقي بأستاذه الذي يدرسه مادة التربية الإسلامية. والذي كان يواظب أيضاً على صلاة الفجر ولا يتركها مهما كانت الأسباب.

كان أحمد ولد لطيف ذو أخلاق عالية. يحب مساعدة الناس. يحترم الكبير والصغير ويعطف على المساكين والفقراء. وكان مجتهداً في دراسته، وكان من الطلاب الأوائل المجتهدين في مدرسته.

في أحد أيام الشتاء الباردة وكان الجو ماطراً، استيقظ أحمد كعادته مبكراً ليصلي الفجر في المسجد.ورغم أن الجو كان ماطراً إلا أن عزيمته كانت قويّة وإيمانه كان قوياً راسخاً. فتوضأ وهمّ بالخروج إلا أن زمهرير البرد أوقفه على عتبة الباب وصوت تساقط المطر على الشجر والأرض كان يعزف أصواتاً في غاية الطرب والشجون وكأن مقطعاً موسيقياً رائعاً يلحنه أمهر الملحنين.

ورغم زمهرير البرد فلم يمنع أحمد من الذهاب إلى المسجد فوثب وثبة شجاعة لا تهاب البرد ولا تخشى أحداً وكأنه شاب قوي ممارس للأخطار يمر مرّ الرجال نحو بيت الله تعالى.

وفي الطريق وبينما كان يسير بخطىً سريعة ثابتة إذ سمع صوت مجموعة من الكلاب يقترب صوتها الى أذنيه الصغيرتين، فأيقن بالخطر يحيط به في كل جانب، وأخذ الخوف يتسرّب إلى قلبه الصغير.

أسرع أحمد الخطى وصوت نباح الكلاب يقترب منه أكثر فأكثر. وكلما سمع أحمد صوت نباحها يقترب إليه أسرع الخطى ليلوذ في أي شيء يحميه من تلك الكلاب الضالة التي تبحث عن أي شيء تأكله في ذلك الشتاء القارص الذي تقلّ فيه الأطعمة ويندر فيها الصيد وخاصة لكلاب ضالة تعيش كقطعان في تلك البلدة البريّة البعيدة عن ضوضاء المدينة وأضوائها الساطعة التي لا تتوقف عن البريق والإنارة.

اقتربت الكلاب من أحمد حتى أصبح يسمع صوت أنفاسها ووقع أقدامها، فأيقن بالهلاك وشعر بالخطر الشديد يقترب منه.، فأسرع الركض نحو أحد البيوت التي كانت على قارعة الطريق. وأخذ يصيح ويستنجد ويقول: أنقذوني أنقذوني.

وبينما كان أحمد يصيح ويبكي خوفاً من الكلاب التي لاحقته الى (حوش) البيت الذي لجأ إليه. إذ سمع صوت رجل يقول: من هذا؟

أحمد: أنا يا عمّ أنا أحمد.

يقترب أبا خليل من أحمد ويرى سرباً كبيراً من الكلاب يلاحقه قريباً من الباب. فقال أبو خليل: لا تخف يا بني، فأنت في أمان.

ثم اتجه أبو خليل نحو الكلاب وأخذ يضرب باتجاهها الحجارة حتى طردها بعيداً عن البيت.

ثم قال لأحمد:

ما الذي جاء بك إلى هنا يا بنيّ؟

أحمد: في الحقيقة يا عم لقد كنت ذاهباً إلى المسجد، وقد لاحقتني الكلاب في الطريق وخفت منها خوفاً شديداً حتى هداني ربي أن أركض نحو بيتك يا عماه وقدّر الله تعالى أن تنقذني، بارك الله فيك يا عماه.

أبو خليل: وما الذي يجعلك تتعرض لهذا الخطر يا بني وبإمكانك أن تصلي في بيتك؟

أحمد: نعم يا عماه، بإمكاني أن أصلي في البيت ولكن الصلاة في المسجد أفضل وأعظم أجرا.

شعر أبو خليل بالحرج الشديد من ذلك الفتى المؤمن فقد كان لا يصلي ولم يذهب قط إلى المسجد واحتار ما الذي سيقوله لذلك الفتى المؤمن. ولكن أحمد طلب منه طلباً كان محرجاً له فقال له: يا عماه، أرجوك أريد منك أن تذهب معي إلى المسجد فنصلي معاً ثم نعود وقد طلع الفجر وابتعدت الكلاب نحو الشرق وذهب خطرها.

احتار أبا خليل بأحمد ولكنه لم يكن أمامه إلا أن يوصله إلى المسجد. فقال له: حسناً يا بنيّ، هيا بنا.

وحينما وصلا إلى المسجد، قال أبو خليل لأحمد: اذهب يا بني وصلّي وسوف أنتظرك إلى أن تفرغ من صلاتك لأعود بك إلى البيت فأنا لست على وضوء ولم يعد هناك الوقت الكافي.

فقال أحمد:

كلا يا عماه هيا اذهب وتوضأ فما زال هناك متسع من الوقت لتلتحق بالصلاة.

أُحرج أبا خليل مرّة أخرى ولكنه وبصورة عفويّة سريعة ذهب نحو المتوضأ ثم توضأ ودخل المسجد بالحال، ثم أدى الصلاة مع أحمد جماعة. ثم خرجا معاً قافلين إلى البيت.

كان أبو خليل يقطر خجلاً من ذلك الولد الطائع ولكنه أحسّ بانشراح غريب في صدره وطمأنينة لذيذة في روحه غيرت مسلكه وغيّرت نمط حياته. فقد قرر أن يواظب على الصلاة منذ تلك اللحظة، وحمد الله تعالى على تلك الهديّة الرائعة التي جاء ته إلى بيته.

أوصل أبو خليل أحمداً إلى البيت فقال له أحمد: أعجز عن شكرك يا عماه فقد أنقذت حياتي.

أبو خليل: وأنا يا أحمد أعجز عن شكرك أيضاً فقد أنقذتني من النار فقد هداني الله تعالى على يديك وسوف أواظب على الصلاة منذ هذه اللحظة واعلم يا أحمد أنك أنت الذي هديتني لذلك والأجر لك مضاعف عند الله تعالى يوم القيامة. وسوف أكون رفيقك لصلاة الفجر كل يوم. فهل تقبلني صديقك الجديد يا أحمد؟

أحمد: سامحك الله يا عماه. فالله تعالى هو الهادي. وإنه لشرف لي أن تكون والدي وصديقي ورفيقي لصلاة الفجر وكل الصلوات. وأسال الله تعالى أن نكون رفقاء في الجنّة يوم القيامة ونحظى جميعاً بصحبة نبيّنا محمد عليه الصلاة والسلام والشرب من حوضه شربة لا نظمأ بعهدها أبداً.

أبو خليل: آمين يا أحمد آمين. والى اللقاء غداً بصلاة أخرى مباركة طيبة

أحمد: إلى اللقاء يا عماه. إلى اللقاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير