[دقائق الإخلاص]
ـ[فيوض]ــــــــ[27 Apr 2010, 08:58 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فإن (الإخلاص) لله تعالى، أساس الدين، ولب العبودية، وخلاصة التوحيد، وحقيقة الإسلام، الذي بعث الله به المرسلين، وأمر به العالمين من المسلمين، وأهل الكتاب والمشركين. قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]، وقال: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر: 11 - 12]، وقال: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 65]،وقال: (مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]. وهذا الأصل العظيم، في كتاب الله، وفي سنة رسوله كثير، شهير.
وإذا سلم المرء من الشرك الأكبر، فقد سلم من الخلود في النار، فإن سلم من الشرك الأصغر، وكبائر الإثم، فقد استحق الجنة برحمة ربه، وفضله. قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النجم: 31، 32].
ثم يبقى بعد ذلك ساح فساح، يتسابق فيها أهل الإيمان، ويتنافسون في سلوك دروبها. والموفق منهم من تعاهد قلبه، فنقاه من شوائب الرياء، وحظوظ النفس، وتتبع مسارب الشهوات الخفية فسدها، وأوصد أبواب العجب، والزهو، المفضية إلى فناء قلبه، فأحرزه، ونظفه، وصانه، وحرسه، ثم استودع فيه محبة الله، وخوفه، ورجاءه، والإنس به، والتوكل عليه، وكتب على الباب: (وقف لرب الأرباب).
وهذه عملية جراحية دقيقة، تحتاج إلى طبيب حاذق، يعرف من أين يؤتى القلب. وقد كان الطبيب الأول معلم الناس الخير، صلى الله عليه وسلم، فطناً لهذه الآفات الطارئة، فضرب مثالاً بديعاً، وقال: (ما ذئبان جائعان، أرسلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني. قال ابن رجب، رحمه الله، في شرح هذا الحديث: (وها هنا نكتة دقيقة: وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك، ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: كفى بالنفس إطراءً أن تذمها على الملأ، كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك عند الله سفه). وهذا الذي ذكر، رحمه الله، يقع من كثير من الوعاظ، من حيث يشعر، أولا يشعر. فلينتبه!
وضرب أبو حامد الغزالي، رحمه الله، أمثلةً تطبيقية، لتسلل الرياء إلى نفوس الصالحين، فقال: (وأخفى من ذلك أن يختفي، أي العامل بالطاعة، بحيث لا يريد الاطلاع، ولا يسر بظهور طاعته، ولكنه، مع ذلك، إذا رأى الناس، أحب أن يبدؤوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة، والتوقير، وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان. فإن قصر فيه مقصر، ثقل ذلك على قلبه، ووجد استبعاداً في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها، مع أنه لم يطلع عليه. ولو لم يكن سبق منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه، ومهما لم يكن وجود العبادة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق، لم يكن قد قنع بحلم الله، ولم يكن خالياً عن شوبٍ خفي من الرياء، أخفى من دبيب النمل، وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر، ولا يسلم منه إلا الصديقون.) فالله المستعان.
ألا ما أحوج طلبة العلم، وحملة الشريعة، وممتشقي الأقلام، ومفترعي المنابر، وفرسان الفضائيات، بارك الله في جهودهم جميعاً، أن يتعاهدوا هذه المضغة، بين الفينة، والفينة، ويستلينوها بالإخلاص، فإذا آنس أحدهم استرواحاً، ومبدأ عجب، تمثل بقول سليمان، عليه السلام، الذي آتاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وأقرَّ بين يديه عرش ملكة سبأ، في لمحة طرف، ويقول: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40]
د. أحمد القاضي
1431/ 5/4 هـ
ـ[خلوصي]ــــــــ[27 Apr 2010, 04:07 م]ـ
والموفق منهم من تعاهد قلبه، فنقاه من شوائب الرياء، وحظوظ النفس، وتتبع مسارب الشهوات الخفية فسدها،
كلام دقيق ..
و لعل أول ما نشأ من علم التصوف هو هذا بغير اسم التصوف ...
و أذكر أن أحد التابعين قال:
وددت لو يجلس للناس من لا يحدثهم إلا عن النية!؟!
و ليس لأحد أن يعترض بأن ذلك لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ...
فإن ضعف الإيمان عما كان مدعاة لتنبيه الإنسان بأنواع التحليل على أنواع التحايل!؟!
و لو اشتدّ الإيمان ضعفت الحاجة إلى مثل هذه العلوم و الدقائق .. !
فلذا ترى من يضحي للدين بوقته و ماله و كرامته يبذلها للعاصين و الضالين .. و هو في بيئة الإيمان ..
تراه لا يقرأ مدارج السالكين ... !
و لا يتّخذ شيخاً من مشايخ التربية المسلّكين .. !
بل و أكثر .. ؟
ترى فيما يفعله مدارج المجاهدين!؟!
فأنّى للطريقة - و لو تلك التي أجازها شيخ الإسلام - أن تبلغ الجهاد؟!
¥