[وفاة شاب من حملة القرآن في الصف الثالث الثانوي]
ـ[أبو إسحاق الحضرمي]ــــــــ[09 May 2010, 05:49 م]ـ
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فهذه قصة شاب توفي ليلة الخميس 22 جمادى الأولى 1431 هـ، وهو من طلابنا وإخواننا الأبرار، أروي هذه القصة بنفسي في بعض مواقفها، وبعضها عمن لازمه في آخر يومٍ له من حياته.
اسمه عبد الباسط أسمته بهذا الاسم جدته والدة والده منذ وُلِدَ رغبةً منها وتفاؤلاً أن يكون مثل الشيخ المقرئ عبد الباسط عبد الصمد، كما ذكر لي ذلك أخوه الأكبر.
نشأ أخونا - رحمه الله - في وادي حضرموت (القطن) حتى بلغ مرحلة الثانوية سمت همتُه أن يلتحق بمدرسة الأرقم بن أبي الأرقم الثانوية الأهلية بساحل حضرموت (معهد القرآن والعلوم الشرعية الثانوي - سابقاً -) رغبةً منه في حفظ القرآن الكريم، لأنَّ هذه المدرسة تُلزم بحفظ القرآن خلال ثلاث سنوات، ودرس بها الصف الأوَّل الثانوي.
ولأنَّ مدرسة الأرقم الثانوية اتجهت للقسم العلمي فحسب انتقل أخونا - رحمه الله - إلى الثانوية الحكومية، ودرس في القسم الأدبي الصف الثاني الثانوي، وهو الآن في الصف الثالث الثانوي، ويسكن في ثانوية الأرقم، ومرتبط بقسم التحفيظ بها - لأنَّ حفظ القرآن شيئاً زائداً عن الدراسة لكن يلزم به الطلاب ومَن يسكن عندهم ويدرس بمدارس الحكومة -.
وكان عبد الباسط - رحمه الله - مثالاً للطالب الملتزم بدينه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أحبّه الطلاب بالمدرستين، يصوم الاثنين والخميس، ويقوم الليل كما أخبرني من يسكن عنده بالغرفة، ويُوقظ الطلاب لقيام الليل. وفي الثانوية الحكومية وُكِّل له أمر الإذاعة الصباحية مع الطابور مع جمع من إخوانه الطلاب لقراءة القرآن والكلمات الصباحية للطلاب أثناء الطابور.
ولمَّا وُكِّلَ إليَّ نشاط جماعة القرآن والتريبة الإسلامية كان أحد الأعضاء النشيطين معي في نشاط هذه الجماعة، فينوب عني في درس الفسحة (الاستراحة) في مسجد الثانوية.
عبد الباسط - رحمه الله - في أيَّامه الأخيرة:
اشتاق إلى رؤية والديه وأصحابه وإخوانه في بلدته (القطن) التي تبعد عنَّا ما يقرب من الأربع الساعات بالسيارة، فذهب إليهم وجلس عندهم من الخميس حتى الأحد ثم رجع إلى بلدتنا (غيل باوزير) وكأنه ودَّع أهله الوداع الأخير الذي لن يراهم بعده أبداً في حياته، ووصل عندنا يوم الاثنين. ومرَّت يوم الثلاثاء، وجاءت يوم الأربعاء بتاريخ 21/ 5/1431 هـ، وهي آخر يومٍ من حياته.
آخر يومٍ له في الدنيا:
كان - رحمه الله - يؤمل أن يكمل الصف الثالث الثانوي، ولكن هيهات هيهات والموت ينتظره، فصلَّى الفجر مع الناس جماعة - وهي آخر صلاة فجر له - وجلس يراجع القرآن الكريم لأنه سيختبر فيه عصراً كاملاً، ثم ذهب للثانوية الحكومية، وأُعطي له شهادة تقديرية تقديرياً لجهوده في الإذاعة المدرسية - وما يدري أنها آخر شهادة يسلتمها - وفي وق الاستراحة (الفسحة) اجتمع بإخوانه الطلاب بمسجد المدرسة وقبله صلَّى ركعتين - وما يدري أنها آخر ركعتين له بهذا المسجد - ثم ألقى درسه الوعظي لإخوانه نيابةً عنِّي - وهو آخر درس يلقيه في حياته -، ثم أكمل دراسته في بقية الحصص، ثمَّ رجع إلى مسكنه بمدرسة الأرقم الثانوية، وتناول غذاءه - وهو آخر غذاء يتناوله - ثم نام بعد ذلك، واستيقظ قبل العصر استعداداً لاختبار القرآن الكريم.
وبعد العصر اختبر في المصحف كاملاً في مدرسة الأرقم، ثم ذهب لحضور محاضرة بأحد المساجد، وصلَّى المغرب والعشاء هناك، ثم بعدها زار مريضاً من أصحابه كعادته - كان يتفقد أصحابه ويزور المرضى وينصح ويرشد - ثم رجع لمسكنه وتناول العشاء، ومزح مع إخوانه قليلاً.
وكعادته قبل أن ينام يصلِّي ما كتب له ثم يدعو الله ثم يرقد وينام على سريره، وفي هذه الليلة لم يرقد على سريره بل بقي في الأرض، وفي الساعة الثانية ليلاً جاء أحد الطلاب يريد منه علاجاً لأنه مسئو ل عن إخوانه، فحرَّكه فلم يتحرك، وأيقظه فلم يستيقظ، فنادى بعض أقاربه بالسكن، ثم اتصلوا على مسئول السكن، ونقلوه للمستشفى ليلاً قبيل الفجر، وأجريت له الفحوصات، فقال الذي فحصه: إنه ميِّت، فلم يصدق إخوانه وأجري له فحص آخر فقالوا: ميِّت. - وهكذا فارق الحياة، أحبَّ لقاء الله فاحب الله لقاءه.
فحزن الطلاب عليه حزناً شديداً، فقد مات من غير علةٍ.
مات وهو ناوٍ لصيام يوم الخميس.
أخبرني أحد ملازميه: أنه في أيَّامه الأخيرة يصوم يوماً ويفطر يوماً.
حدَّثني الأمين على المكتبة عندنا: أنَّ عبد الباسط - رحمه الله - سأله في آخر أيامه عن كتب اليوم الآخر: الجنة ومراحل الآخرة - أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه.
وقد ألقيت محاضرة بمدرسة الثانوية الحكومية هذه اليوم الأحد 25/ 5/1431 هـ محاضرة عن حياته فتأثر بها الطلاب.
وفي حياته عبرة وعظة، يعرف ذلك من لازمه وأكتفي بهذا التعريف به
أسأل الله العظيم أن يغفر له ويوسع مدخله، وأن يحشره في زمرة أهل القرآن.
¥