تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأستاذ .. يوسف الصيداوي .. نمطٌ لا يُنسى لـ (د. محمد حسان الطيان)

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Dec 2009, 03:51 م]ـ

"اذكروا مَن عندكم من الرجال الذين ينفعونكم في الشدائد، ودونوا أسماءهم في جريدة، لئلا تنسَوهم، ونوّهوا بهم عند كل سانحة، واحرصوا عليهم حرصكم على أعز عزيز ... تجاوزوا عن سيئاتهم، وانتفعوا بحسناتهم"

(الشيخ طاهر الجزائري).

الصيداوي! .. وما أدراك ما الصيداوي؟ نمط من الإبداع عجيب، فن وأدب .. علم وطرب .. أنس ومعرفة .. نحو وتجويد .. نقد وفصاحة .. ذوق وبيان .. تجديد وأصالة، ظرَف وفكاهة ..

ذلكم هو عالم الصيداوي! عالم يمور بالعجائب .. ويشتمل على الأطايب والغرائب! فبينا يحدثك في النحو ومشاكله الشائكة يأتيك بأعذب الأشعار وأطرف الأخبار. وبينا يحدثك في الفن والغناء واللحن والأنغام يأتيك بأعمق الأفكار وأعظم الأسرار .. يغوص في لغة القرآن فتخاله الزمخشري أو أبا حيان ويبحر في الفصاحة والبيان فتخاله الجاحظ أو سحبان. ويتناول الأنغام والألحان فتخاله السنباطي أو القصبجي .. ويعرض للنقد والأدب فتخاله العقاد أو الرافعي .. ويتفكه بالطُّرف والتسلية والمزاح والنكت فتخاله الريحاني أو المازني.

كل ذلك في بيان ساحر .. وحضور جاذب .. وظَرف وفكاهة .. وفطنة وكياسة ..

ملقّنٌ ملهمٌ فيما يحاولُهُ = جمٌّ خواطرُهُ جوّابُ آفاقِ

الصيداوي والعربية:

والصيدواوي رجل قضية .. إنها اللغة العربية .. همُّهُ وسَدَمُهُ ونجواهُ ورجواهُ .. رافقها وصادقها .. فلانت له .. وسمَتْ به .. رضع لبانها مع لبان أمه .. وحفظ كتابها وهو غضُّ العود طريّه .. فأتقنه ورتّله .. وحباه الله عذوبة في الصوت وزيادة في الحلق ومزماراً من مزامير داود فتغنّى بالقرآن وحبّره .. فهفت إليه الأفئدة .. وتلذَّذت بسماعه الآذان وتصدَّر للقراءة والترتيل .. وطار صيته بين الناس .. حتى وصل أمره إلى رئيس الجمهورية السورية الشيخ تاج الدين بن الشيخ بدر الدين الحسني فاستقدمه واستمع إليه وأكرم وفادته وعينه مقرئاً في الإذاعة السورية الناشئة آنذاك .. فكان أول وأصغر من قرأ فيها القرآن ببثٍّ مباشر حيٍّ يخرج من فم الصيداوي لتتلقفه الآذان في كل مكان!

وهكذا حذق الصيداوي القرآن وأتقنه، ثم جمع إلى إتقانه نصوصاً من نهج البلاغة كان يحفظها عن ظهر قلب ويتصدر لإسماعها الناس على ملأ في البيوتات والحسينيات وفي الأمسيات والاحتفالات .. فكانت له مع القرآن نعم الزاد في مسيرته اللغوية التي لم تتوقف إلا مع آخر نفس في حياته قال لي مرة: ما نفعني شيء في حياتي كما نفعني القرآن الكريم إنه كالكلاشنكوف (البندقية الروسية) فما هو إلا أن أضغط الزناد حتى تأتي الاستجابة رشّاً.

أجل فقد أسَّس الصيداوي رحمه الله بنيانه اللغوي ومعرفته العربية على أساس متين آتى أكله طيباً بإذن ربه. إذ فتح عينيه على أجمل نصوص العربية فخلبَتْه وفتنَتْه وانطلق يطلب المزيد، ويعبُّ من روائع بيان السماء وبدائع بيان الأرض بعد السماء، فكان من أدرى الناس بمواطن السجود ومواضع الإعجاز والإعجاب.

ويا طالما حدثنا عن إعجاب الفرزدق ببيت عدي بن الرقاع العاملي:

تُزجي أغنَّ كأنّ إبرةَ روقِهِ= قلمٌ أصاب من الدواة مدادَها

وفيه ـ كما يقول العلاّمة الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله ـ وصف صريحٌ لرَوْقِ الشادن حين برز كأنه بطرفه المحدد الصغير إبرة وكأنه حرفُ قلمٍ أصاب سواد مداد، ثم هو بلا ريب وصف ضمني للقلم يوشك لقوة حيويته أن يكون صريحاً ويُشعر بأن المقصود بالوصف هو القلم لا قرن الظبية ([1]).

ولازلت أذكر آخر لقاء ضمَّنا، وكان كالعهد به حريصاً على اللقاء كلما عدت من مغتربي إلى دمشق، كان ذلك في العطلة النصفية من عام 2003 أي في الشهر الثاني منها، وعقد اللقاء في بيت أخينا الحبيب الأستاذ مروان البواب وحضره كل من الأستاذ الدكتور مكي الحسني والأخ الدكتور يحيى مير علم .. وتكلم الصيدواوي فأجاد وأفاد .. وأبدع وأمتع وكان من ذلك أن حدثنا عن أبيات راقت له، قرأها في العقد الفريد [6/ 47] للمسوِّر بن مخرمة ذاك المحب الولهان الذي ترك زوجته طلباً للرزق، فلما تباعدت الديار خطرت له وتلفّت قلبه، فكَرَّ راجعاً إليها وهو يقول:

بينما نحن من بلا كث بالقا= عِ سراعاً والعيسُ تهوي هُوِيّا

خطرتْ خطرةٌ على القلب من ذكـ = راكِ وَهْناً فما استطعت مُضِيّا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير