تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(الميل العظيم) مقالة للدكتور أحمد القاضي]

ـ[فيوض]ــــــــ[22 Feb 2010, 05:53 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(الميل العظيم)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فقد شرع الله لعباده طريقاً مستقيماً، لا اعوجاج فيه، ولا ميل، ودعاهم إلى اتباعه، والاستقامة عليه، وحذرهم من تنكبه، والخروج عنه. قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153]، بل أمر عباده بسؤال الهداية إليه، في كل ركعةٍ من ركعات الصلاة، بقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6]، وامتن على نبيه، وخليله إبراهيم، عليه السلام، بالهداية إليه، فوصفه بقوله: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121]، ثم أتم نعمته على نبيه، وخليله، محمد صلى الله عليه وسلم، بالهداية إلى ملة أبيه، وصراط ربه، فقال: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: 161].

وقد وصف الله صراطه بالاستقامة، في نحو ثلاثين موضعاً في القرآن، ووصف العدول عنه بالضلالة، والزيغ، والسفه، في آيات معلومات. وكل هذا بيِّن معلوم. إلا أنا نود في هذا الحديث لفت النظر إلى أمر عجيب، ونزعةٍ شاذة، لدى المنحرفين عن (الصراط المستقيم)، وهي الرغبة في إمالة أهل الاستقامة، واستزلالهم، واستدراجهم، عن خطهم الأصيل! قال تعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27]. قال إمام المفسرين، ابن جرير الطبري، رحمه الله: (ويريد الذين يطلبون لذّات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها "أن تميلوا" عن أمر الله تبارك وتعالى، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرّم عليكم وركوبكم معاصيه "ميلا عظيمًا"، جورًا وعدولا عنه شديدًا) (جامع البيان (تفسير الطبري) - (8/ 212). وعيَّنهم الحافظ ابن كثير، رحمه الله، بقوله: (يُريد أتباع الشياطين؛ من اليهود، والنصارى، والزناة "أَنْ تَمِيلُوا" يعني: عن الحق إلى الباطل "مَيْلا عَظِيمًا") تفسير ابن كثير / دار طيبة - (2/ 267)، وكذا قال السعدي، رحمه الله: (يميلون معها حيث مالت، ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة والعاصين، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون "أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا" أي: أن تنحرفوا عن الصراط المستقيم، إلى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن، إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه. فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين، وتخيّروا أحسن الطريقتين) (تفسير السعدي - (1/ 175)

وها نحن في هذه الأزمان، التي انحسر فيها ظل الإيمان، وقلص فيء الفضيلة، واستعرت الشهوات، نسمع دعوات خارجية، وأصداء داخلية، للميل عن جادة الرب، وصراطه المستقيم، واتباع سبيل المغضوب عليهم، والضالين، والذين في قلوبهم مرض، والذين لا يعلمون؛ من اليهود، والنصارى، والمنافقين، والمشركين.

لم يزل أعداء الملة، يحاولون جاهدين، أن يستزلوا أهل الإسلام، عن الصراط المستقيم؛ في عقيدتهم، وشريعتهم، وأخلاقهم، وآدابهم. وقد حذر الله النبي صلى الله عليهم من مكائدهم، واستزلالهم، فقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 49، 50]. وقد انطلقت آلتهم الإعلامية، ومقذوفاتهم الفكرية، تحاول هدم القلعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير