تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الإمام بين التأييد والمعارضة]

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[26 Apr 2010, 10:39 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[الإمام بين التأييد والمعارضة]

أ. د. محمد محمد حسين/مصر

لازم دعوة محمد بن عبد الوهاب ما يلازم الدعوات الكبرى من نشاط فكري وحركي على الجانبين الإيجابي والسلبي، ومن المؤشرات التي توزن بها ضخامة الدعوات الجديدة قوة حركة التأييد والمعارضة على السواء؛ ذلك لأن الدعوات الكبرى تفاجئ الناس عادة بغير ما عهدوا من مألوف المعتقدات والعادات، فيتهيبها الناس في أول الأمر ويستعظمون ما جاءت به، فإذا تدبرها بعض العقلاء واكتشفوا ما تنطوي عليه من الحق والخير تعصبوا لها تعصباً شديداً، ثم تجيء ردود الأفعال عند الذين يأكل قلوبهم الحسد على المكانة التي يحظى بها صاحب الدعوة بين أنصاره ومؤيديه، والزعماء الذين يتمسكون بالأمر الواقع الذي سودهم ولا يرحبون بالجديد الذي لا يأمنون عواقبه؛ لأن أي خلخلة للاستقرار القائم سيجلب معه زعامات جديدة تلائم الواقع الجديد، وبين هاتين الطائفتين من المتعصبين للتأييد والمعارضة ينشأ التطرف الذي يسيء إلى الدعوة في تطبيقها وتفسيرها من ناحية، وفي سوء فهمها والادعاء عليها بما ليس فيها من ناحية أخرى.

وسمة أخرى من سمات الدعوات الكبرى لازمت دعوة محمد بن عبد الوهاب، وهي تتمثل في تعرضها على يد أعدائها ومعارضيها للمحن وثبات صاحبها على المكاره؛ ذلك لأن اتساع نفوذ الدعوة على مر الأيام يدفع أعداءها إلى الشعور بالخطر على أنفسهم وعلى مصالحهم، فيبذلون كل ما يسعهم من جهد للقضاء على الدعوة وعلى صاحبها، وقد يذهبون في ذلك إلى حد تدبير المكايد للتخلص من صاحب الدعوة نفسه بقتله، ثم إن هذا الأذى والاضطهاد هو الاختبار الأكبر الذي يمتحن به صدق الدعوة وإخلاص صاحبها، فإذا ثبت على دعوته وصبر على ما يلقى من الاضطهاد زاده صبره صلابة وثباتاً على مر الأيام؛ لأنه يزكي نفسه ويمكن لإيمانه ويقوى توكله على الله.

ولكي توزن دعوة محمد بن عبد الوهاب بميزان عادل يجب أن يوضع في الاعتبار حالة المجتمع الذي نشأت فيه الدعوة قبل ظهورها، لتقارن بحالته بعد انتشارها، كما ينبغي أن يوضع في الاعتبار ردود الأفعال التي لا بد أن تتسرب إليها وتشوبها في مقاومتها للوضع السائد الذي تعارضه وتندد به؛ لأنها في دعوتها إلى نبذ الأوضاع القائمة والانحرافات السائدة تشنع بها وتقدمها في أبغض الصور؛ لكي تصرف الناس عنها وتبين لهم بشاعة ما هم عليه من فساد الحال، ثم إن ذلك لا يزيد خصومها إلا لدداً في خصومتهم فيبالغون في التشنيع بها ونشر مقالة السوء عنها وتصيد الأخطاء التي ربما وقعت من أتباعها وحَمْل أفعالهم وتأويلها على أسوأ محمل، وربما بلغوا في ذلك أن يدعوا عليهم ما ليس فيهم؛ وذلك كله مما يملأ قلوب أصحاب الدعوة وأتباعها حنقاً فيكيلون لهم بمثل كيلهم، وهكذا فإن تفاعل هذه الخصومات لا بد أن يجر إلى شيء من المبالغة التي يجب أن تكون موضع الاعتبار والتقدير عند الباحث.

والذي يقرأ ما كتبه مؤرخو الدعوة عن عنف معارضيها وتتابع أذاهم، وما كتبه الجبرتي في وصف القسوة البالغة التي لازمت غزوات جيوش محمد علي، والفظائع التي ارتكبها ابنه طوسون وابن زوجته إبراهيم وولاة الترك في حوادث سنوات 1228هـ، 1229هـ، 1230هـ، 1234هـ، 1236هـ لا بد أن يتوقع العنف في ردود الأفعال عند أتباع دعوة محمد بن عبد الوهاب، فمن هذه الفظائع رمي جثث القتلى للوحوش والكلاب، وحمل الأسرى من أشراف القوم إلى مصر والأستانة في رقابهم الحديد يطاف بهم في البلاد على هذه الحال المهينة ثم يقتلون، ومنها: تخريبهم الدرعية مرتين، وقتل من طالته أيديهم من آل سعود وآل الشيخ، والتنكيل بالعلماء وقتلهم بعد تعذيبهم، فمنهم من كان يربط بأفواه المدافع ثم تطلق فتتناثر لحوم جثثهم في الفضاء، ومنهم من كانت تخلع جميع أسنانه قبل قتله، ومن هذه الفظائع التي تجاوزت حدود الإسلام ما رواه الجبرتي في حوادث 1227هـ من أعمال النهب والسلب وهتك الأعراض، وذلك كله مع ما عرفت به جيوش محمد علي من المجاهرة في ارتكاب المعاصي، والاستخفاف بالدين، وإشاعة الفاحشة جهاراً في نهار رمضان ولياليه، مما وصفه الجبرتي في حوادث سنتي 1227، 1229هـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير